كرة الثلج تكبر.. مدحت نافع يحذر من فقاعة كبيرة لـ التمويل الاستهلاكي | ما القصة؟


الجريدة العقارية الخميس 27 نوفمبر 2025 | 10:51 مساءً
التمويل الاستهلاكي في مصر
التمويل الاستهلاكي في مصر
إيهاب زيدان

حذر عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد في جامعة القاهرة الدكتور مدحت نافع، اليوم الخميس، من التركيز المتزايد  في سوق التمويل الاستهلاكي على مؤشرات الشركات الخاضعة لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية.

تعريف التمويل الاستهلاكي

وفي مقابلة مع "العربية Business"، أوضح نافع أن توسيع تعريف التمويل الاستهلاكي ليشمل جميع المصادر التي يشرف عليها القطاع المصرفي، وكذلك مصادر تمويل الشركات نفسها، قد يكشف عن حجم أكبر بكثير لهذه الظاهرة، وربما يصل – على حد وصفه – إلى ما يمكن اعتباره "فقاعة للتمويل الاستهلاكي"، بما يعني حجم انكشاف أعلى بكثير مما تظهره الأرقام الحالية.

ولفت نافع إلى أن مناطق القلق الأساسية تتعلق بالنمو الكبير في حجم المحفظة وعدد العملاء، إذ ارتفع عدد المتعاملين بنحو 180% في أول 9 أشهر من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي. واعتبر أن هذا النمو غير الطبيعي يعود إلى الإقبال الكبير على هذا النوع من التمويل نتيجة تراجع القوة الشرائية للمواطنين، بفعل الانخفاضات المتتالية في قيمة العملة وارتفاع معدلات الفقر، إضافة إلى تغير أنماط الاستهلاك لدى الطبقة المتوسطة التي تراجعت دخولها الحقيقية.

تحول نمط الاستهلاك

وأوضح أن انخفاض القدرة الشرائية دفع شريحة واسعة من المواطنين للجوء إلى التمويل الاستهلاكي لتغطية الضروريات، في ظل تحول نمط الاستهلاك من "الترفيه" إلى استهلاك دفاعي قائم على تدبير الاحتياجات الأساسية، مع إدارة الندرة بدلاً من تحقيق فوائض للادخار.

وأضاف أن جزءاً من المشكلة يتعلق ببعض المستهلكين الذين لم يغيروا ثقافتهم الاستهلاكية رغم الضغوط الاقتصادية، ويواصلون الإنفاق اعتماداً على سهولة الحصول على هذا النوع من الائتمان الذي يعتبره "سريعاً ورخيصاً".

وفي ما يتعلق بمعايير الدين والرقابة، أوضح نافع أن طبيعة هذا التمويل لا تعتمد على وجود ضمانات حقيقية، فالضمان الوحيد هو دخل المستهلك وقدرته على السداد، مؤكداً أنه يشك في وجود عمليات اعرف عميلك (KYC) بالشكل الملائم، نظراً للتوسع الكبير والسريع في أعداد العملاء.

كرة الثلج تكبر

وأشاد بالقرارات الأخيرة الصادرة عن هيئة الرقابة المالية لإدارة المخاطر، سواء عبر وضع ضوابط لتقييد بعض أنواع الائتمان أو الحد من منح تراخيص جديدة، لكنه حذّر في الوقت ذاته من أن "كرة الثلج تكبر"، وأن التضخم السريع في هذا النوع من التمويل قد يصعب وقفه لاحقاً، خاصة أنه أصبح مرتبطاً بتلبية احتياجات ضرورية للمواطنين، بما يشبه – على حدّ تشبيهه – أزمة الميكروباص الذي يتسبب في زحام، لكن إيقافه تماماً سيمنع الناس من الذهاب لأعمالهم.

وأشار إلى أن التوسع في التمويل قد يقود إلى تحول المجتمع إلى مجتمع من الغارمين، خاصة في ظل انتشار ثقافة "إقالة عثرة الغارمين"، وهو ما قد يخلق مخاطر أخلاقية إضافية.

لماذا نذهب إلى "فقاعة"؟

وفي رده على سؤال حول ما يجعل هذا التمويل "فقاعة"، قال نافع إن ذلك مرتبط بعدة عوامل، منها السرعة الكبيرة في النمو، وارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة عدد الشركات التي تقدم هذا النوع من التمويل بما يفوق احتياجات السوق المصرية. وأضاف أن الاقتصاد، رغم تحقيقه معدلات نمو "مُرضية" في الربع الأول، لا يزال النمو الحقيقي بعيداً عن مستوى النمو الممكن أو المحتمل (Potential Growth).

وأوضح أن الفجوة المعروفة بـ "Lucas Wedge" تعكس مشكلة عدم قدرة الاقتصاد على خلق وظائف جديدة بسبب عدم تحقيق التشغيل الكامل، وهو ما يشبه الوضع في الولايات المتحدة ودول عدة بعد الأزمات المتتالية. وبما أن التمويل الاستهلاكي يعتمد على وجود دخول مستقرة ومتزايدة، فإنه يشك في قدرة الاقتصاد المصري في الظروف الحالية على توفير الديناميكية التي تضمن سداد الديون القائمة.

كما حذّر من مخاطر تحوّل الديون وتعثرها، وانتقال آثارها إلى القطاع المصرفي، رغم عدم وجود أزمة عقارية مشابهة لتجارب أخرى، مؤكداً أن توسع شركات التمويل الاستهلاكي قد يؤدي إلى انكشاف البنوك عليها، وبالتالي انتقال العدوى المالية المحتملة إلى الجهاز المصرفي ومنه إلى الاقتصاد ككل.

التمويل الاستهلاكي في 9 أشهر

وسجلت قيمة التمويل الاستهلاكي في مصر خلال الفترة من يناير إلى نهاية سبتمبر من العام الحالي، ارتفاعًا ملحوظًا بأكثر من 57% لتصل إلى 66 مليار جنيه، وذلك وفقًا للتقرير الصادر عن الهيئة العامة للرقابة المالية .

وخلال سبتمبر الماضي فقط، ارتفعت قيمة التمويل الاستهلاكي على أساس سنوي بنسبة 38% لتبلغ 9.3 مليار جنيه، كما زاد عدد العملاء خلال الشهر ذاته بنسبة مماثلة ليصل إلى 1.09 مليون عميل، مقارنة بـ390.2 ألف عميل في سبتمبر 2024‪.

أشار التقرير إلى أن تمويل شراء السيارات والمركبات استحوذ على 19% من إجمالي تمويلات سبتمبر الماضي، بينما جاءت الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات في المرتبة الثانية بنسبة 18.1%، تلتها الأجهزة المنزلية بنسبة 13.9%، ثم الهواتف المحمولة بنسبة 2.6%.

وخلال الفترة من يناير إلى سبتمبر من العام الحالي، وشكلت الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات 18% من إجمالي التمويل، كما سجلت السيارات والمركبات نسبة مماثلة .