دخلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خط سوق الصرف الأجنبي لدعم عملة دولة من الأسواق الناشئة، إذ قامت وزارة الخزانة الأمريكية ببيع الدولار وشراء البيزو الأرجنتيني في ثلاث عمليات متتالية خلال شهر أكتوبر الجاري، في أول تدخل من نوعه لدعم عملة دولة أجنبية بهذه الطريقة منذ أكثر من نصف قرن، وفقًا لرويترز.
وجاءت عمليات التدخل في أيام 9 و15 و16 أكتوبر، ضمن حزمة دعم اقتصادي ومالي أوسع تهدف لمساندة الأرجنتين التي تعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة وتذبذب حاد في عملتها، وعلى عكس المساعدات الأمريكية التقليدية التي كانت تأتي على شكل قروض أو خطوط ائتمان أو اتفاقيات تبادل عملات، فإن هذه المرة شهدت إنفاق دولارات من أموال دافعي الضرائب لشراء البيزو مباشرة في السوق، وهو ما يضع سابقة استثنائية في السياسة المالية الأمريكية.
ترامب يدعم البيزو الأرجنتيني في سوق الصرف
رغم أن حجم التجارة بين واشنطن وبوينس آيرس لا يتجاوز 0.35% من إجمالي تجارة الولايات المتحدة، يرى مراقبون أن الخطوة قد تتصل بصراع النفوذ مع الصين، خاصة أن الأرجنتين تمتلك موارد ضخمة من الليثيوم والنحاس والمعادن النادرة، كما وافقت واشنطن على بحث إنشاء خط مبادلة بقيمة 20 مليار دولار مع الأرجنتين، الأمر الذي قد يحدّ من تمدد النفوذ الصيني في المنطقة.
لكن البعد السياسي بدا أكثر وضوحًا، إذ أظهر ترامب دعمًا علنيًا للرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، قائلاً إن واشنطن لن تضيع وقتها في الأرجنتين حال خسارة حزبه في انتخابات 26 أكتوبر النصفية.
وأكد وزير الخزانة سكوت بيسنت أن الدعم الأمريكي سيستمر طالما التزمت حكومة ميلي بسياسات اقتصادية جيدة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
مغامرة مالية محفوفة بالمخاطر
ويرى خبراء أن التدخل الأمريكي يحمل مخاطر استثنائية، إذ يقول براد سيتسر، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، إن هذه العملية تبدو أقرب لدعم أصدقاء سياسيين وتوسيع دائرة الزعماء اللاتينيين الموالين لواشنطن، أكثر مما هي محاولة لمعالجة أزمة اقتصادية حقيقية.
ولا يزال الاقتصاد الأرجنتيني هشًا رغم الإصلاحات القاسية التي نفذها ميلي منذ توليه الحكم عام 2023، والتي شملت تقليصًا للإنفاق وتحريرًا للسوق وخصخصة مؤسسات عامة، ورغم تراجع التضخم من أكثر من 200% إلى 32%، فإن البلاد ما تزال غارقة في أزمة عملة وديون تجاوزت 57 مليار دولار لصندوق النقد الدولي.
متى ينخفض سعر البيزو؟
على الرغم من التدخل الأمريكي، واصل البيزو سقوطه ليصل إلى مستوى قياسي جديد عند 1476 بيزو للدولار يوم أمس الإثنين، ما دفع محللين إلى القول إن السؤال لم يعد هل سينخفض سعر العملة، وإنما متى سيحدث ذلك؟
ويرى اقتصاديون أن تحرير سعر الصرف قد يكون حتميًا قريبًا، رغم مخاطره التضخمية، لأنه سيكون السبيل لاستعادة الفائض التجاري وزيادة احتياطات النقد الأجنبي، وفي حال تم رفع سقف التحكم في العملة، قد يصبح الدعم الأمريكي هو الصمام الوحيد المؤقت لاستقرار البيزو.
وتكشف هذه الخطوة عن تطور جديد في أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، إذ انتقلت واشنطن من استخدام الدولار كوسيلة ضغط غير مباشرة إلى التدخل المباشر في أسواق العملات، رغم احتمالات تكبد خسائر مالية، وهو ما يدفع المستثمرين والمحللين للتساؤل: هل تتحول الأداة المالية إلى سلاح سياسي علني؟ أم أنها مجرد مغامرة عابرة محفوفة بالمخاطر؟