صفقات غريبة ومفاجئة.. كيف تحولت المقايضة من الملح إلى الغواصات؟


الجريدة العقارية الاثنين 17 نوفمبر 2025 | 08:50 مساءً
مقايضة
مقايضة
محمد فهمي

عرضت وكالة الشرق بلومبرج تقريرًا يعود إلى عام 1980، أظهر تصنيف الصحافة الأمريكية والعالمية لأقوى القوات البحرية في العالم، حيث جاء متوقعًا أن تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى، تليها الاتحاد السوفيتي، ثم المملكة المتحدة، فرنسا، واليابان، لكن المفاجأة كانت إدراج شركة بيبسي كولا ضمن التصنيف، لتكون سادسًا بعد اليابان.

وكان سبب هذا التصنيف هو صفقة مقايضة بين بيبسي والاتحاد السوفيتي، إذ حصلت الشركة الأمريكية على 17 غواصة ومدمرة بحرية وفرقاطة، مقابل منتجاتها الغازية، في وقت كان الاتحاد السوفيتي يعاني من صعوبات مالية، ولم يكن قادرًا على دفع مقابلاتها نقدًا. وعلق دونالد كيندال، المدير التنفيذي لشركة بيبسي، على هذه الصفقة بالقول إنه "ينزع سلاح الاتحاد السوفيتي أسرع من الحكومة الأمريكية".

المقايضة ليست أداة قديمة اندثرت، بل استُخدمت دائمًا، بين دول فقيرة الموارد أو في حالات الحصار التجاري والعقوبات الدولية. بل حتى كلمة "سالري" أو الراتب، تعود جذورها إلى المقايضة في الإمبراطورية الرومانية القديمة، حين كان الجنود يحصلون على حصة من الملح، أو "سال"، مقابل خدماتهم، وهو ما أصبح فيما بعد راتبًا نقديًا.

ومن أغرب أمثلة المقايضة التاريخية، صفقة شراء أرض مدينة مانهاتن الأمريكية من قبل المستوطنين الهولنديين مقابل بضائع قيمتها 27 دولارًا، أي ما يعادل نحو 1000 دولار حاليًا، لتصبح اليوم أيقونة للمدينة ومسكن تمثال الحرية. كما أعاد الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي استخدام المقايضة في الولايات المتحدة، حيث قبلت شركات كبرى مثل فورد وجنرال موتورز تبادل سيارات وقطع غيار مع الفلاحين مقابل المحاصيل الزراعية، في ظل انهيار النظام النقدي والبطالة العالية.

ومع دخول السبعينيات والتسعينيات، استمرت المقايضة في شكل تبادل بين الشركات لتقليل الخسائر واستغلال المخزون، وتطورت لاحقًا إلى منصات رقمية مثل "فري سايكل" و"كريجزليست" التي تسمح بتبادل السلع والخدمات مباشرة بين الأفراد، دون الحاجة للنقد.

وفي البعد الدولي، استخدمت الدول المقايضة أحيانًا بطريقة فرضية، كما حدث مع العراق في برنامج "النفط مقابل الغذاء"، وأيضًا بين كوبا وفنزويلا في بداية الألفينات، عندما أرسلت كوبا 20 ألف طبيب وممرض لفنزويلا مقابل النفط الخام بأسعار تفضيلية في اتفاق استمر 13 سنة، حتى وفاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز عام 2013.

يبين التاريخ أن المقايضة لم تختفِ، بل استمرت عبر العصور كوسيلة عملية لتبادل السلع والخدمات، وتقليل الاعتماد على النقد، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، مؤكدةً دورها المستمر في الحياة الاقتصادية حتى اليوم.