كبير محللي الأسواق في XS.com "منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" يكشف تحولات الأسواق العالمية للذهب


الاربعاء 21 مايو 2025 | 01:16 مساءً
الذهب العالمي - أرشيفية
الذهب العالمي - أرشيفية
إيهاب زيدان

يواصل الذهب تألقه هذا الأسبوع، متجاوزًا مستوى 3300 دولار للأونصة، في ظل مشهد اقتصادي ومالي مضطرب يفتح الباب واسعًا أمام المزيد من المكاسب. 

فما يحدث ليس مجرد موجة صعود تقليدية، بل يعكس تحوّلًا هيكليًا في نظرة الأسواق العالمية للذهب، في ظل تصدّع الثقة بالدولار الأميركي ومخاوف الركود التضخمي. وتجاوز هذا المستوى النفسي والفني الحرج جاء مدفوعًا بعدد من العوامل المترابطة، في مقدمتها تدهور الوضع المالي الأمريكي وخفض التصنيف الائتماني السيادي من قِبل وكالة موديز، مما شكّل ضربة لمصداقية المالية العامة الأميركية وعمّق من الضغوط على الدولار. وهذه المعطيات، برأيي، ليست ظرفية، بل تعكس توجهًا طويل الأمد يعيد تشكيل موازين القوى في أسواق العملات والمعادن الثمينة.

كما أن سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي التي باتت تتسم بالحذر والتردد تغذي هذه الموجة الصعودية. مع تزايد قناعة الأسواق بأن الفيدرالي أقرب إلى خفض الفائدة منه إلى تشديد السياسة النقدية، تقللّ جاذبية الدولار كأصل مدر للعائد، وتزداد بالمقابل شهية المستثمرين نحو الذهب كأصل لا يرتبط بعوائد مباشرة، لكنه يكتسب قيمته من الاستقرار النسبي في أوقات الشكوك. كما أن تصريحات مسؤولين بارزين في الفيدرالي، كبيث هاماك وألبرتو موساليم، تشير بوضوح إلى وجود قلق داخلي حقيقي بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي في ظل هشاشة السياسات المالية والتجارية. وهذا القلق الداخلي، متى ما شعر به المستثمرون، يتحول إلى موجة خروج من الأصول الأميركية إلى أصول أكثر أمانًا، وعلى رأسها الذهب.

ولا يمكنني تجاهل دور البيئة الجيوسياسية المضطربة في دعم الاتجاه الصعودي للذهب. فالتصعيد الجديد بين الولايات المتحدة والصين، لاسيما في ملف الرقاقات الذكية والتكنولوجيا، يعيد إلى الواجهة سيناريو الحرب التجارية التي كانت قد تراجعت في وعي الأسواق قبل سنوات. والآن، مع اتهامات متبادلة وسلوك تجاري وصفته الصين بـ"البلطجة"، تتزايد احتمالات اتساع رقعة المواجهة بين القوتين الاقتصاديتين. إلى جانب ذلك، تعود المخاوف في الشرق الأوسط إلى السطح مع تقارير استخباراتية أميركية تتحدث عن احتمال الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. ومن الواضح، في رأيي، أن هذه المعطيات لا تؤجج فقط توتر الأسواق، بل تخلق طلبًا حقيقيًا على الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب.

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإصراره على تمرير مشروع قانون ضريبي قد يضيف ما بين 3 و5 تريليونات دولار إلى الدين العام، يُلقي بثقل إضافي على الدولار ويعمّق من هشاشة النظام المالي الأميركي. فهذه السياسات المالية التوسعية في وقت تتراجع فيه الإيرادات ويزيد فيه الإنفاق، تجعل من تحوط المستثمرين بالذهب أمرًا منطقيًا وليس عاطفيًا. وهذا هو السبب الذي يجعلني أرى أن ارتفاع الذهب فوق 3300 دولار ليس مجرد تصحيح صعودي، بل هو بداية موجة جديدة تعكس تحوّلات هيكلية في بنية النظام المالي العالمي، حيث يبدأ الذهب في استعادة جزء من دوره كمخزن حقيقي للقيمة.

وحتى الآن، فشلت عوائد سندات الخزانة الأميركية المرتفعة في الضغط على الذهب، مما يؤشر إلى عمق التحول في المزاج الاستثماري. وعادةً ما يؤدي ارتفاع العوائد إلى تقليل جاذبية الذهب، إلا أن المشهد الحالي يختلف. المستثمرون يبدون غير مقتنعين بقدرة الفيدرالي على ضبط التضخم دون التسبب بركود، مما يعكس هشاشة الثقة في أدوات السياسة النقدية التقليدية. في مثل هذه البيئة، يفضل المستثمرون الذهب رغم أنه أصل غير مدر للعائد. من وجهة نظري، هذه دلالة قوية على أن الذهب بات يُنظر إليه اليوم كأداة تحوط استراتيجية ضد تدهور النظام المالي وليس فقط أداة مضاربة على الأحداث قصيرة الأجل.

كما أن دعم البنوك المركزية الأجنبية للذهب يعزز هذه الرؤية. ففي الوقت الذي تميل فيه بنوك كبرى مثل بنك الشعب الصيني وبنك الاحتياطي الأسترالي إلى تخفيف سياستها النقدية، تزداد شهية الطلب على الذهب لدى هذه المؤسسات، سواء لأسباب تتعلق بالتحوط من تآكل قيمة الاحتياطيات الدولارية أو لاعتبارات مرتبطة بالسيادة النقدية. وهذا التراكم الرسمي للذهب، إضافةً إلى الطلب الاستثماري الخاص، يخلق أساسًا صلبًا لدورة صعود طويلة قد تدفع بالأسعار إلى مستويات قياسية جديدة خلال الأشهر المقبلة. أتوقع، إذا استمر هذا الزخم، أن نرى الذهب يتجاوز مستوى 3400 دولار وربما 3500 قبل نهاية الربع الثالث من هذا العام.

وباختصار، المشهد الحالي يعيد رسم خريطة التوازن بين الدولار والذهب. فلا يُعد تراجع الدولار مجرد حركة سعرية بل هو انعكاس لانحسار الثقة في الاقتصاد الأميركي وقدرته على احتواء أزماته الداخلية والخارجية. وفي المقابل، يقف الذهب في موقع قوي، مدعومًا بزخم شرائي واسع، وأرضية أساسية متينة تشمل المخاطر الجيوسياسية، السياسات المالية غير المستدامة، وتراجع فعالية أدوات السياسة النقدية. وفي ظل هذا المشهد، أرى أن الذهب ليس فقط بصدد الحفاظ على مكاسبه فوق 3300 دولار، بل مؤهل لمزيد من الارتفاع، ليكون أحد أفضل الأصول أداءً في عام 2025.