تشهد العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي مرحلة غير مسبوقة من النمو والتكامل، بعد أن رفع الجانبان مستوى التعاون إلى شراكة استراتيجية وشاملة في مارس 2024، وهو ما يعكس عمق الروابط الاقتصادية والسياسية، ويؤكد مكانة مصر كشريك محوري في المنطقة.
وجاء الإعلان عن حزمة مالية أوروبية لمصر بقيمة 7.4 مليار يورو ليجسد الثقة المتبادلة والرغبة الجادة في تحويل التعاون القائم إلى شراكة تنموية حقيقية تدعم الاقتصاد المصري وتفتح مجالات جديدة للاستثمار المشترك، خاصة في قطاعات الطاقة النظيفة، والتصنيع، والبنية التحتية، والنقل المستدام.
وقالت أنجلينا إيخهورست، سفيرة الاتحاد الأوروبي في مصر، إن العلاقات بين الجانبين قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يُعد أكبر سوق تجاري لمصر، وأن توقيع اتفاقيات جديدة يعكس ثقة أوروبا في متانة الاقتصاد المصري وقدرته على جذب الاستثمارات.
وأكدت إيخهورست أن حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي تجاوز 32 مليار دولار، مع توقعات بزيادة متواصلة خلال الأعوام المقبلة، لافتة إلى أن المنتجات الزراعية المصرية شهدت قفزة في الجودة والمواصفات، ما ساهم في تعزيز صادراتها إلى الأسواق الأوروبية.
وتعزز القمة المصرية الأوروبية في بروكسل التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين الجانبين، حيث أكدت على تطابق الرؤى تجاه قضايا التنمية والطاقة والاستدامة، في ظل الروابط التاريخية والمصالح المشتركة التي تجمع القاهرة ببروكسل.
ووفق بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، فقد حصلت مصر على مليار يورو من الاتحاد الأوروبي ضمن آلية "مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة"، بينما يجري العمل حاليًا على تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق في إطار البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية.
ويُعد الاتحاد الأوروبي من أقوى الكيانات الاقتصادية في العالم بإجمالي ناتج محلي يبلغ نحو 19.4 تريليون دولار عام 2024، وتتميز دوله بتقدم صناعي وتكنولوجي كبير، كما يعد اليورو ثاني أكثر العملات استخدامًا عالميًا بعد الدولار الأمريكي.
وتواصل مصر من جانبها تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي الذي يستهدف تعزيز الإنتاجية والنمو القائم على الاستثمار، مع التركيز على القطاعات القادرة على تحقيق قيمة مضافة عالية مثل الصناعة والسياحة والطاقة والخدمات اللوجستية.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد المصري شهد تحسنًا ملحوظًا خلال العامين الماضيين، حيث من المتوقع أن يسجل معدل نمو يبلغ 4.3% خلال العام المالي 2024/2025، على أن يرتفع إلى 5.6% في 2025/2026، في ظل تراجع تدريجي لمستويات الدين العام واستقرار المؤشرات الكلية.
كما يلعب البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) دورًا مهمًا في تعزيز هذه الشراكة، كونه أكبر ممول للقطاع الخاص في مصر، من خلال تمويل المشروعات الاستراتيجية، ودعم آليات التحول الأخضر، وتوسيع نطاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب برامج تمكين القطاع الخاص وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ووفق بيانات الاتحاد الأوروبي، ارتفعت التجارة الثنائية بين الجانبين من 23 مليار يورو عام 2014 إلى 32.5 مليار يورو عام 2024، فيما بلغت الاستثمارات الأوروبية المباشرة في مصر نحو 27.6 مليار يورو، ما يجعل الاتحاد المستثمر الأجنبي الأول في البلاد.
وتتركز الصادرات المصرية إلى أوروبا في الوقود والمنتجات التعدينية والكيماويات والمنتجات الزراعية، حيث زادت صادرات الأغذية الزراعية من 650 مليون يورو إلى 2.3 مليار يورو خلال العقد الأخير.
وعلى صعيد دعم التنمية، خصص الاتحاد الأوروبي 206 ملايين يورو للسنوات الثلاث الأولى من البرنامج الإرشادي متعدد السنوات (2021-2027) للتعاون مع مصر، وتركز هذه التمويلات على التنمية الخضراء والمستدامة، وتنمية رأس المال البشري، وتعزيز المرونة الاقتصادية والاجتماعية.
ومنذ عام 2008، تلقّت مصر منحًا أوروبية تتجاوز 650 مليون يورو جذبت معها ما يقارب 8 مليارات يورو من القروض الميسّرة من مؤسسات التمويل الأوروبية، ما يعكس عمق الثقة في الاقتصاد المصري وفاعلية شراكته مع الاتحاد الأوروبي.
ومع استمرار تنفيذ برامج التعاون الإقليمي مثل NEXT MED وإطلاق برنامج الصناعة الخضراء المستدامة، تمضي القاهرة وبروكسل بخطى واثقة نحو مرحلة جديدة من الشراكة التنموية والاستثمارية التي تستهدف بناء اقتصاد متكامل أكثر مرونة واستدامة يخدم مصالح الشعبين المصري والأوروبي على حد سواء.