إغلاق الحكومة الأمريكية يشعل مخاوف الركود ويعقّد قرارات الفيدرالي.. والمستثمرون يحذرون


الجريدة العقارية الخميس 02 أكتوبر 2025 | 07:25 مساءً
إغلاق الحكومة الأمريكية
إغلاق الحكومة الأمريكية
محمد شوشة

يواجه الاقتصاد الأمريكي اختبارًا جديدًا مع بدء إغلاق الحكومة الفيدرالية، الذي طالما حذر منه المستثمرون خلال الأسابيع الماضية، وسط مخاوف من أن يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق وتباطؤ اقتصادي إذا طال أمده.

ويأتي هذا الإغلاق في وقت حساس، بينما تتعامل الأسواق مع تحديات متعددة تشمل تباطؤ النمو، وضغوط التضخم، وتزايد المخاوف بشأن الاستدامة المالية للولايات المتحدة بعد خفض التصنيف الائتماني هذا العام.

إغلاق الحكومة الأمريكية

يرى محللون أن الإغلاق، الذي يؤثر على شريحة واسعة من المؤسسات والوكالات الحكومية، قد يُحدث ارتباكًا كبيرًا في مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، خاصة في ظل توقف صدور البيانات الحكومية المهمة التي يعتمد عليها البنك المركزي في اتخاذ قراراته بشأن أسعار الفائدة.

وقال إريك كوبي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة نورث ستار لإدارة الاستثمار: "لدينا أسواق تتداول بتقييمات ممتدة عند أعلى مستوياتها على الإطلاق، والاقتصاد الأمريكي يُظهر بالفعل بعض العلامات الواضحة على التباطؤ وهذا البطء في الاقتصاد سوف يتفاقم بسبب نقص الإنفاق الحكومي، وكلما طال أمده، أصبح التغلب على هذه التحديات أكثر صعوبة".

ويؤدي الإغلاق الحكومي، الذي يُعطل جزءًا كبيرًا من العمليات الفيدرالية، إلى إجازات إجبارية لمئات الآلاف من العمال الحكوميين، كما حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يقود حملة تهدف إلى إعادة تشكيل الجهاز الحكومي، من أن الإغلاق قد يؤدي إلى مزيد من تخفيضات الوظائف، في ظل توجهه لطرد نحو 300 ألف عامل بحلول ديسمبر المقبل.

ورغم أن عمليات الإغلاق السابقة عادة ما كانت تُحدث تأثيرًا محدودًا على الأسواق المالية، حيث ظل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مستقرًا تقريبًا في المتوسط أثناء عمليات الإغلاق منذ عام 1976، وفقًا لشركة LPL Financial، فإن بعض المستثمرين يرون أن هذه المرة مختلفة، فالإغلاق الحالي يأتي في ظل بيئة مالية أكثر هشاشة، تزامنًا مع خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة وارتفاع أعباء الديون والتعريفات الجمركية.

وقال بريان شيپلي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة كولدستريم لإدارة الثروات: "التأثير التراكمي والمركب لكل هذه الأحداث - خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، والتغييرات في نظام التجارة، والآن الإغلاق - هو ما يقلقني"، مشيرًا إلى أنه قام مؤخرًا بتحويل بعض الأصول من سندات الخزانة الأمريكية إلى مديري محافظ يتمتعون بصلاحيات مرنة للاستثمار في أصول دولية بديلة.

حجم الأثر الاقتصادي للإغلاق

يتوقع محللو الاقتصاد أن يعتمد حجم الأثر الاقتصادي للإغلاق على مدته الزمنية. وقدّرت مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس أن الإغلاق الجزئي للحكومة يقلل النمو الاقتصادي الأمريكي بما يتراوح بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية أسبوعيًا، مشيرة إلى أن استمرار الإغلاق طوال الربع الأخير من العام قد يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للربع الرابع بما يتراوح بين 1.2 و2.4 نقطة مئوية.

وأكدت المؤسسة، في مذكرة تحليلية، أن إغلاقًا بهذه المدة سيكون سابقة لم تحدث من قبل، محذرة من تداعياته على ثقة المستهلكين والإنفاق العام.

وقالت لورين جودوين، الخبيرة الاقتصادية وكبيرة استراتيجيي السوق في شركة نيويورك لايف للاستثمارات، إن الإغلاق طويل الأمد قد يُحدث أثرًا نفسيًا قويًا على المستهلكين، موضحة أن الإغلاق الذي استمر لأكثر من 30 يومًا في عامي 2018 و2019 تزامن مع انخفاض الثقة بنسبة 7% في استطلاع رأي المستهلكين بجامعة ميشيجان.

ويشير محللو Canaccord Genuity إلى أن الولايات المتحدة شهدت خلال الخمسين عامًا الماضية 19 عملية إغلاق حكومي جزئية أو كاملة، استمرت في المتوسط ثمانية أيام فقط. 

السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي

يرى محللين في BBH أن تجاوز هذه المدة إلى أكثر من أسبوعين يزيد من المخاطر السلبية على النمو، وقد يدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى انتهاج سياسة أكثر تيسيرًا نقديًا، مما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي.

كما يثير توقف إصدار البيانات الحكومية الاقتصادية قلقًا واسعًا بين المستثمرين، مع احتمال تأجيل صدور تقرير الوظائف الأمريكي الذي كان مقررًا يوم الجمعة المقبل، وهو ما يخلق فجوة في المعلومات أمام صانعي القرار في الاحتياطي الفيدرالي قبل اجتماعه المزمع عقده في 28 و29 أكتوبر الجاري.

وفي ظل هذا الفراغ، يرجّح خبراء أن يتزايد اعتماد الأسواق على البيانات البديلة، مثل تقرير التوظيف الوطني الصادر عن ADP، والذي أظهر مؤخرًا أكبر تراجع في كشوف المرتبات الخاصة منذ عامين ونصف خلال سبتمبر الماضي.

وقال محللو كابيتال إيكونوميكس في مذكرة لهم: "إذا استمر الإغلاق، فإن الضعف في بيانات ADP سيكون كل ما يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي الاستمرار فيه"، وهو ما قد يزيد من الغموض في قراراته المقبلة.

من جهته، قال بيتر كارديلو، كبير خبراء الاقتصاد في السوق لدى سبارتان كابيتال سيكيوريتيز: "لا أتوقع أن يتجاوز الإغلاق مدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، لكن إذا حدث ذلك، فسيضع بنك الاحتياطي الفيدرالي في مأزق كبير".

وبحسب بيانات LSEG، فإن العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي تُشير إلى أن المستثمرين يتوقعون خفضًا محتملًا لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال اجتماع البنك المركزي في نهاية الشهر الجاري، وذلك لمواجهة تباطؤ النمو المتوقع نتيجة الإغلاق.

ورغم القلق السائد، يرى بعض المستثمرين أن الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن الإغلاق ستكون مؤقتة، وسيجري تعويضها فور إعادة فتح الحكومة.

وقال جاك أبلين، الشريك المؤسس وكبير استراتيجيي الاستثمار في كريسيت كابيتال: "كلما طالت مدة الإغلاق، زادت المخاطر التي تواجه الأسواق، لكن كما أن الإغلاق ليس دائمًا، فإن أي ضعف أو تراجع في السوق لن يكون دائمًا أيضًا".