أكد الدكتور عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، أن خطط إصدار عملة سورية جديدة ليست "تقارير مسربة" كما أشيع، بل هي خطوات معروفة تم الإعلان عنها منذ فترة، وتُعد جزءًا من الاستراتيجية الشاملة للإصلاح المالي والنقدي في البلاد، موضحًا أن حذف صفرين من العملة السورية هو خيار قيد الدراسة الجدية، ضمن حزمة من التغييرات المرتقبة.
وفي مقابلة مع العربية بيزنيس، قال حصرية: "أنا أستغرب توصيف الأمر على أنه تسريبات أو تقارير، نحن تحدثنا منذ فترة عن نيتنا إصدار عملة جديدة، وهذا ليس سرًا، بل هو عمل تحضيري تقوم به لجان متخصصة تضم خبراء من المصارف العامة والخاصة، إلى جانب مختصين من المصرف المركزي".
وأضاف حصرية أن تغيير العملة الوطنية هو ركيزة أساسية ضمن رؤية الإصلاح الاقتصادي الجديدة في "الجمهورية السورية الحديثة"، معتبرًا أن إصدار الليرة الجديدة سيكون بمثابة إعلان لـ"التحرير المالي" الذي يلي التحرير السياسي والعسكري، ويعكس السيادة الوطنية الكاملة.
حذف الأصفار ومرحلة الاستقرار
وحول سؤال بشأن حذف صفرين من العملة الحالية، قال حاكم المصرف المركزي إن الأمر لا يزال قيد الدراسة ولم يُحسم بعد، لكنه شدد على أن حذف الأصفار هو أحد الخيارات المطروحة ضمن المرحلة الثانية من عملية الإصلاح، والتي ستبدأ بعد ترسيخ الاستقرار النقدي.
وتابع: "أكدنا سابقًا أن المرحلة الأولى من الاستراتيجية هي تحقيق الاستقرار النقدي، وقد بدأنا نلمس نتائجه. المرحلة التالية تتضمن ثلاث ركائز: إصدار العملة الجديدة، إصلاح القطاع المصرفي، وترخيص مصارف جديدة".
وأكد حصرية أن هذا النوع من الإصلاح ليس جديدًا على العالم، مشيرًا إلى أن أكثر من 70 دولة قامت بحذف أصفار من عملاتها خلال العقود الماضية. لكنه شدد على أن حذف الأصفار ليس حلاً كافيًا للتضخم، ويجب أن يُرافق بحزمة سياسات اقتصادية حقيقية.
أسباب التضخم والإصلاحات الجارية
وتحدث الدكتور حصرية عن جذور التضخم في سوريا، مشيرًا إلى أن أبرز أسبابه في السنوات الماضية كانت طباعة العملة لتمويل العجز المالي، والقيود القاسية على الاستيراد، إلى جانب العقوبات الاقتصادية وممارسات النظام السابق التي أضرت بالليرة السورية.
"الوضع كان اصطناعيًا... التجار كانوا يُلاحقون، الاستيراد مُقيد، وكل دولار كان يُهرب يكلف الدولة ما بين 30 إلى 40 سنتًا إضافيًا. اليوم هذا كله في طريقه للزوال."
وأشار إلى أن التجارة الخارجية تم تحريرها إلى حد كبير، وأن العقوبات الغربية بدأت في التراجع التدريجي، مما سينعكس إيجابًا على الوضع النقدي والاقتصادي.
وقال: "العقوبات الأوروبية رُفعت بالكامل، وإنجلترا كذلك. الولايات المتحدة خففت عبر ستة أوامر تنفيذية. نحن الآن في مراحل نهائية للتعاقد مع مزود خدمة SWIFT لاستعادة الاتصال بالنظام المالي العالمي".
سعر الصرف وموقع "القيمة العادلة"
عند سؤاله عن القيمة العادلة لليرة السورية مقابل الدولار، قال حاكم المصرف المركزي إن السوق هو من سيحدد السعر الحقيقي، لكنه لفت إلى أن الليرة السورية استعادت بعض من عافيتها مؤخرًا.
وأضاف: "الليرة تحسنت 35% منذ تحرير البلاد، والفجوة بين سعر السوق وسعر المصرف تقلصت إلى حدها الأدنى. وهذا يعكس الثقة بالإصلاحات وبتناغم السياسة المالية مع النقدية".
البنوك والاستثمار.. وعودة الثقة
وحول مسألة فتح القطاع المصرفي أمام البنوك الأجنبية، أكد حصرية أن هناك "عشرات الطلبات" من مؤسسات مصرفية عربية وأجنبية أبدت اهتمامها بالدخول إلى السوق السورية، مشيرًا إلى أن عملية الترخيص خاضعة لمعايير فنية وقانونية صارمة.
واستطرد: "لدينا اهتمام كبير من مصارف أجنبية. نحن نعمل على ترخيص مصارف جديدة، وعلى إعادة هيكلة البنوك القائمة، بما يتماشى مع المعايير الدولية. هدفنا بناء قطاع مالي يخدم الاقتصاد السوري وليس العكس"..
وأكد أن عودة الثقة بالقطاع المصرفي هي هدف استراتيجي بعد سنوات من الفساد والتعثر والإهمال، مشيرًا إلى أن المصرف المركزي يعمل حاليًا على تمكين النظام المالي من لعب دوره كمحرك للاستثمار.
العملة الجديدة.. بين التصميم والطباعة
وفي جانب التصميم والطباعة، أوضح الدكتور حصرية أن العمل على التصميم الفني للعملة الجديدة جارٍ حاليًا، وهناك مقترحات قيد الدراسة. كما أكد أن الطباعة ستتم خارج سوريا عبر التعاقد مع مصدرين أو ثلاثة، لضمان التنوع في سلسلة التوريد، مع الالتزام بأعلى المعايير الأمنية والتقنية.
وتابع: "نحن بصدد إعداد دفاتر الشروط الفنية والمالية. سنفتح المجال لجميع الشركات العالمية المختصة. هناك عدة خيارات، وروسيا قد تكون من بينها، ولكن لا اتفاق نهائي بعد".
وحول الشكل والتصميم، ألمح حصرية إلى أن العملة الجديدة ستحمل رمزية المرحلة السياسية الجديدة في سوريا، مشيرًا إلى أن الدول غالبًا ما تصدر عملة جديدة بعد تحولات سياسية عميقة، كما حدث في الجمهورية الخامسة في فرنسا.
توقعات الإطلاق.. "عندما تكتمل الخطة"
وفيما يتعلق بالإطار الزمني لإطلاق العملة الجديدة، شدد حاكم المصرف المركزي على أن المشروع لا يزال قيد الدراسة والتحضير، ولن يتم إقراره أو تنفيذه إلا بعد اكتمال الخطة بكافة تفاصيلها، بما فيها الحوار مع جميع الأطراف المعنية، واعتماد التصميم، واختيار الجهات التي ستتولى الطباعة.
واختتم: "عندما تكون خطتنا جاهزة 100%، سيكون الشعب السوري أول من يعلم. لا شيء نخفيه. نحن نعمل ليل نهار، والهدف أن تخرج العملة الجديدة بأفضل شكل ممكن، يليق بتضحيات الشعب السوري".