الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خارطة التوظيف في مجال البرمجة


السبت 09 اغسطس 2025 | 04:30 مساءً
الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي
محمد عاطف

على مدار أكثر من عشر سنوات، لعبت معسكرات تدريب البرمجة دورًا محوريًا في تمكين الأفراد من دخول مجال التقنية دون الحاجة إلى شهادة جامعية تقليدية. هذه البرامج المكثفة، التي تتراوح مدتها بين بضعة أسابيع وعدة أشهر، كانت بمثابة تذكرة عبور إلى وظائف مجزية في شركات التكنولوجيا، خصوصًا خلال فترة ازدهار وادي السيليكون.

لكن الطفرة الأخيرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي قلبت هذا المشهد رأسًا على عقب، وأثارت تساؤلات جدية حول مستقبل هذه المعسكرات كمصدر فعلي لتأهيل المطورين.

الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد اللعبة

مع إطلاق أدوات مثل ChatGPT وClaude وGitHub Copilot، أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تنفيذ مهام برمجية كاملة بسرعة وفعالية تتجاوز أداء المبرمجين المبتدئين. لم يعد الأمر يقتصر على مساعدة بسيطة، بل وصل إلى حد الاستغناء عن بعض الأدوار الأساسية التي كانت تمثل نقطة انطلاق لخريجي المعسكرات.

هذه الأدوات لا تكتفي بكتابة الأكواد، بل تقوم أيضًا بتصحيحها، وتحسينها، وبناء تطبيقات متكاملة في وقت قياسي، ما قلل الحاجة إلى توظيف المبتدئين.

القصة من أرض الواقع

قصة جوناثان كيم، شاب في أواخر العشرينات من عمره، تعكس هذه التحولات الصعبة. في عام 2023، أنفق ما يقارب 20 ألف دولار على معسكر تدريب جزئي في البرمجة، طامحًا للعمل كمطور برامج. وعلى مدار عام تقريبًا، أرسل أكثر من 600 طلب توظيف، لكنه تلقى فقط ستة ردود، بينها اثنان فقط وصلا لمرحلة المقابلة التقنية.

وفي نهاية المطاف، اضطر للعمل في متجر آيس كريم مملوك لأحد أقاربه، بينما لا تزال أحلامه التقنية معلقة.

أرقام تثير القلق

نسبة التوظيف لخريجي المعسكرات تعكس هذا الانحدار؛ على سبيل المثال، في عام 2023، تمكن فقط 37% من خريجي البرنامج الجزئي في معسكر Codesmith من الحصول على وظائف تقنية خلال ستة أشهر من التخرج، مقارنة بـ 83% في عام 2021.

هذا الانخفاض الحاد يوضح كيف أصبح سوق العمل أقل ترحيبًا بخريجي هذه البرامج، خاصة بعد أن أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي تقوم بالكثير من الأدوار التي كانت متاحة لهم.

الشركات تغيّر استراتيجيات التوظيف

في مواجهة هذه التحولات، بدأت كبرى شركات التكنولوجيا تعود للاعتماد على خريجي الجامعات المرموقة مثل MIT وStanford. هذه المؤسسات تمثل، في نظر تلك الشركات، علامة جودة واضحة تدل على مستوى الكفاءة والاحترافية المطلوبة.

هذا التوجه يعيد الاحتكار الأكاديمي للمشهد من جديد، ويضع خريجي المعسكرات في موقع ضعيف تنافسيًا، رغم أن هذه المعسكرات وُجدت أصلاً لتوسيع قاعدة الوصول إلى مهن البرمجة.

وظائف الذكاء الاصطناعي تحلق برواتب فلكية

في المقابل، يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي طفرة في الرواتب والمنافسة. شركات مثل OpenAI وMeta تتنافس على جذب المواهب القليلة في هذا المجال، بعروض تصل إلى 100 مليون دولار سنويًا، شاملة المكافآت والأسهم.

بينما يتراجع الطلب على المبرمجين المبتدئين، تحلق رواتب خبراء الذكاء الاصطناعي، مما يعكس بوضوح إعادة توزيع القيمة في سوق التقنية.

معسكرات البرمجة تحاول التكيّف

لم تقف بعض المعسكرات مكتوفة الأيدي. على سبيل المثال، أعلن مؤسس Codesmith عن إطلاق برامج جديدة تركز على التدريب القيادي في مجال الذكاء الاصطناعي، موجهة للمهندسين ذوي الخبرة.

لكن هذه التحديثات لا تحل مشكلة خريجي البرامج التمهيدية، الذين يواجهون صعوبات متزايدة في دخول السوق.

ما الخيارات المتبقية؟

بالنسبة للعديد من خريجي معسكرات البرمجة، يبدو أن التحول إلى تخصصات تقنية أقل تعرضًا للذكاء الاصطناعي، أو الاتجاه نحو القطاعات التي لا تزال تعتمد على المهارات البشرية المباشرة، قد يكون الخيار الأكثر واقعية.

ومع ذلك، تبقى الحقيقة الواضحة أن العصر الذهبي لمعسكرات البرمجة — الذي بلغ ذروته في عام 2020 — قد انتهى، وأصبح من الضروري إعادة التفكير في جدوى هذا المسار المهني في ظل التغيرات المتسارعة.