أبقى البنك المركزي الأوروبي، اليوم الخميس، أسعار الفائدة دون تغيير، مؤكدًا تقييمًا متفائلًا نسبيًا لأداء اقتصاد منطقة اليورو، ما أثار تساؤلات في أوساط المستثمرين حول مدى استعداد البنك لمواصلة سياسة التيسير النقدي خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تصاعد المخاطر التجارية.
وجاء قرار التثبيت بعد سلسلة من ثمانية تخفيضات متتالية لأسعار الفائدة بدأها البنك في يونيو 2024، عقب السيطرة على موجة التضخم التي أعقبت جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية.
أسعار الفائدة في البنك المركزي الأوروبي
أكدت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، خلال مؤتمر صحفي عقب إعلان القرار، أن الاقتصاد في وضع جيد، مشيرة إلى أن النمو يسير بما يتماشى مع التوقعات أو بشكل أفضل قليلًا، مضيفة: «نحن في حالة ترقّب ومتابعة، وتوقعاتنا تشير إلى استقرار التضخم عند المستوى المستهدف البالغ 2% على المدى المتوسط».
ودفع هذا التقييم الإيجابي بعض المراقبين إلى تعديل توقعاتهم بشأن اتجاه السياسة النقدية الأوروبية، حيث لم يعد يُرجّح خفض إضافي للفائدة في سبتمبر، بينما تشير بيانات السوق إلى أن احتمال التخفيض أصبح لا يتجاوز 80%، وقد لا يتحقق حتى الربيع المقبل.
ووفقًا لمصادر مطلعة على مناقشات السياسة، فإن أي تحرك نحو خفض الفائدة في سبتمبر سيحتاج إلى تباطؤ واضح في النمو والتضخم، بالإضافة إلى مراجعات سلبية في توقعات الخبراء داخل البنك، حسبما نشرت رويترز.
خفض أسعار الفائدة الأوروبية
قال يورج كرامر، كبير الاقتصاديين في «كومرتس بنك»: «نحن نراجع توقعاتنا ولم نعد نتوقع خفضًا نهائيًا لسعر الفائدة على الودائع إلى 1.75% هذا العام، ونرجّح الآن أن تستقر الفائدة عند 2% حتى نهاية 2026».
وتتماشى هذه التصريحات مع مؤشرات النشاط الاقتصادي الأخيرة، التي أظهرت صمودًا نسبيًا في اقتصاد منطقة اليورو، فقد بيّنت بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر يوليو تسارعًا في النشاط التجاري، مدفوعًا بتحسن قوي في قطاع الخدمات، إلى جانب بوادر تعافٍ في قطاع التصنيع.
كما سجلت البنوك الأوروبية ارتفاعًا في الطلب على القروض، في إشارة إلى أن حالة عدم اليقين في السياسة لم تُترجم بعد إلى تباطؤ فعلي في الاقتصاد أو الأسواق.
خطر الرسوم الجمركية الأمريكية
ورغم التفاؤل النسبي، فإن البنك المركزي الأوروبي لا يزال يضع التهديدات التجارية في الحسبان، حيث تلوح في الأفق رسوم جمركية أمريكية محتملة بنسبة 15% على واردات من الاتحاد الأوروبي، وهي نسبة تقع في منتصف السيناريوهات التي ناقشها البنك في تقديراته لشهر يونيو الماضي.
وصرحت لاجارد: «نحن نراقب المفاوضات التجارية عن كثب.. كلما تم احتواء هذا الغموض بشكل أسرع، كلما قلّ الضغط على الفاعلين الاقتصاديين، بمن فيهم نحن».
وبحسب تقديرات المركزي الأوروبي، فإن زيادة الرسوم الأمريكية قد تؤدي إلى تباطؤ النمو وانخفاض التضخم على المدى المتوسط، بحسب درجة الرد الأوروبي، حتى مع احتساب سيناريو معتدل بفرض رسوم بنسبة 10%.
وتسبّب موقف البنك المتفائل في ارتفاع كبير في عوائد السندات الألمانية قصيرة الأجل، حيث اعتبر المتعاملون أن تصريحات لاجارد تشير إلى أن جولة جديدة من التخفيضات العام المقبل باتت مستبعدة.
وقال كارستن برزيسكي، الخبير الاقتصادي في ING: «إذا أخذنا تصريحات لاجارد على محمل الجد، فإن سقف خفض الفائدة مجددًا هذا العام قد ارتفع بالفعل، ونتوقع أن تأتي البيانات الاقتصادية خلال الصيف أقل مما يتوقعه البنك، وهو ما قد يُعيد السيناريوهات التيسيرية إلى الواجهة».