أعلن البنك المركزي الروسي، اليوم الجمعة، عن خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 200 نقطة أساس ليصل إلى 18%، في خطوة تستهدف إنعاش الإقراض وتحفيز النمو الاقتصادي، وذلك بعد أن أظهرت البيانات الأخيرة تباطؤًا ملحوظًا في معدلات التضخم.
وتُعد هذه الخطوة أكبر خفض للفائدة منذ مايو 2022، حينما خفّض البنك سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس في أعقاب الصدمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الغربية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
أسعار الفائدة في البنك المركزي الروسي
يعكس قرار البنك الروسي تحوّلًا في موقف البنك تجاه السياسة النقدية التي كانت مشددة بشكل كبير منذ يوليو 2023، حينما رُفعت أسعار الفائدة لمواجهة التضخم الناتج عن طفرة الإنفاق العسكري.
وكان وزير الاقتصاد الروسي قد صرح مؤخرًا بأن الاقتصاد بات على شفا الدخول في حالة ركود إذا استمرت التشديدات النقدية على هذا النحو.
تضخم يتراجع وضغوط استثمارية تتزايد
كما قلّص البنك المركزي توقعاته لمعدل التضخم في عام 2025 ليكون بين 6% و7%، مقارنة بتقديراته السابقة التي تراوحت بين 7% و8%.
وجاء في بيان البنك: "الضغوط التضخمية الحالية، بما في ذلك الضغوط الأساسية، تتراجع بشكل أسرع من المتوقع، كما يتباطأ نمو الطلب المحلي تدريجيًا، ويواصل الاقتصاد العودة إلى مسار النمو المتوازن".
رغم الخطوة الكبيرة في الخفض، شدد البنك على أنه سيبقي على السياسة النقدية مشددة حسب الضرورة، لضمان إعادة التضخم إلى مستواه المستهدف البالغ 4% بحلول عام 2026.
يُذكر أن مؤشر أسعار المستهلك في روسيا سجل انكماشًا أسبوعيًا بنسبة 0.05% الأسبوع الماضي، وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها منذ سبتمبر 2024، ما دعم قرار خفض الفائدة.
الروبل القوي يساهم في تهدئة الأسعار
بلغ معدل التضخم السنوي في روسيا 9.17% خلال الفترة الأخيرة، منخفضًا من ذروته البالغة 10.3% في مارس الماضي، وبلغ إجمالي النمو السعري منذ بداية العام 4.56%، مقابل 5.06% للفترة نفسها من العام الماضي، وساعد ارتفاع قيمة الروبل، الذي صعد بنسبة 45% مقابل الدولار في وقت سابق من هذا العام، في تخفيف الضغوط التضخمية عبر تقليل تكلفة الواردات.
وأشار بعض المصرفيين إلى أن دعم الروبل كان جزءًا من سياسة البنك المركزي المتعمدة لمواجهة التضخم.
ورغم هذا الدعم، تراجع الروبل قبيل الإعلان عن خفض الفائدة، وسجّل مستوى 80 مقابل الدولار الأمريكي يوم الجمعة، متأثرًا بتوقعات الأسواق.
ضغوط حكومية وانتقادات من قطاع الأعمال
شهدت السياسة النقدية للبنك المركزي الروسي خلال العام الماضي توترًا واضحًا مع مجتمع الأعمال، الذي عبّر عن امتعاضه من ارتفاع تكلفة الاقتراض، معتبرًا أن معدلات الفائدة المرتفعة تخنق الاستثمار وتُضعف النشاط في قطاعات رئيسية مثل البناء والطاقة، وقد ارتفعت الديون المعدومة لدى البنوك الروسية، في حين تضرر قطاع الفحم بشكل خاص من تراجع الإقراض.
وعلى الرغم من الضغوط المتزايدة، واصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعمه لمحافظة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، لكنه حذر في الوقت ذاته من المبالغة في التشدد النقدي الذي قد يؤدي إلى تهدئة الاقتصاد أكثر من اللازم.
وفي تعبير عن التوجهات داخل الحكومة، قال نائب رئيس الوزراء الروسي، مارات خوسنولين، الذي يشرف على قطاع البناء، إن خفضًا أكبر للفائدة بمقدار 400 نقطة أساس كان سيكون أكثر ملاءمة، مضيفًا أن كثيرًا من المسؤولين الحكوميين يتمنون رؤية أسعار الفائدة تتراجع إلى مستوى يتراوح بين 10% و12% قبل نهاية العام.
نمو اقتصادي متماسك رغم الضغوط
على الرغم من تباطؤ المؤشرات، حافظ البنك المركزي على توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي خلال 2025 عند 1% إلى 2%، بعد أن سجل الاقتصاد نموًا بنسبة 4.3% في عام 2024، كما أشار البنك إلى بعض التباطؤ في سوق العمل الذي كان ضيقًا للغاية خلال الفترة الماضية.
وبين ضغوط الحكومة وقطاع الأعمال، وتوقعات الأسواق، وبيانات الاقتصاد الكلي، يحاول البنك المركزي الروسي تحقيق توازن دقيق بين خفض التضخم واستمرار النشاط الاقتصادي، وسط بيئة داخلية متقلبة وعقوبات خارجية ما زالت تلقي بظلالها على الاقتصاد الروسي.