صندوق النقد الدولي يحذر: التعريفات الجمركية ليست حلاً لاختلالات التوازن العالمية


الثلاثاء 22 يوليو 2025 | 04:52 مساءً
الرسوم الجمركية
الرسوم الجمركية
محمد شوشة

صندوق النقد الدولي يحذر: التعريفات الجمركية ليست حلاً لاختلالات التوازن العالمية

حذر صندوق النقد الدولي من الاعتماد على التعريفات الجمركية كأداة لمعالجة اختلالات التوازن في الاقتصاد العالمي، مؤكدًا أن هذه الإجراءات الحمائية لا تُعد حلاً فعالاً، وقد تفضي إلى مزيد من الاضطراب المالي والاقتصادي عبر الحدود.

جاء ذلك في تقريره السنوي عن القطاع الخارجي، الصادر اليوم الثلاثاء، والذي يُقيّم الاختلالات في الحسابات الجارية لأكبر ثلاثين اقتصادًا في العالم.

التعريفات الجمركية

أشار التقرير إلى أن أرصدة الحساب الجاري العالمي اتسعت بشكل ملحوظ في عام 2024، ما يعكس انعكاساً للتراجع الذي بدأ منذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009.

وأكد الصندوق أن وجود فائض أو عجز في الحساب الجاري لا يشكل بالضرورة مصدر قلق، لكنه يصبح مشكلة حقيقية عندما يبلغ مستويات مفرطة، موضحًا أن هذه الاختلالات، إذا ما ترافقت مع تشوهات محلية طويلة الأمد، واستمرار الغموض في السياسة المالية، وتصاعد التوترات التجارية، فإنها قد تُسهم في تدهور ثقة المستثمرين وزيادة الضغوط المالية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاقتصادات الدائنة والمدينة على حد سواء.

ووجّه التقرير انتقادات مباشرة للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن سياسات فرض التعريفات الجمركية التي اتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد معظم الشركاء التجاريين، بحجة زيادة الإيرادات وتصحيح العجز التجاري المزمن، لم تحقق الأهداف المرجوة.

وقال التقرير إن أي تصعيد إضافي في الحرب التجارية قد يؤدي إلى آثار كبيرة على الاقتصاد الكلي، من خلال تقليص الطلب العالمي على المدى القصير، وزيادة الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار الواردات، مضيفًا أن تصاعد التوترات الجيوسياسية قد يُحدث تحولات في النظام النقدي الدولي، مما قد يقوّض الاستقرار المالي العالمي.

أداء الاقتصادات في عام 2024

أظهرت بيانات التقرير، المستندة إلى أداء الاقتصادات في عام 2024، أن اتساع أرصدة الحساب الجاري كان مدفوعاً إلى حد كبير بارتفاع الفوائض والعجوزات في الاقتصادات الثلاثة الكبرى عالميًا، فقد اتسع العجز التجاري في الولايات المتحدة بمقدار 228 مليار دولار ليصل إلى 1.13 تريليون دولار، أي ما يعادل 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

في المقابل، ارتفع فائض الحساب الجاري في الصين بمقدار 161 مليار دولار ليصل إلى 424 مليار دولار، كما توسع فائض منطقة اليورو بمقدار 198 مليار دولار ليبلغ 461 مليار دولار.

وفي مدونة تحليلية مرافقة للتقرير، قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير-أوليفييه جورينشاس، إن الفوائض والعجوزات الخارجية المفرطة تنبع من اختلالات محلية، مثل السياسات المالية المفرطة في التراخي في الدول ذات العجز، أو غياب شبكات الأمان الاجتماعي في الدول ذات الفوائض، ما يؤدي إلى سلوك ادخاري احترازي مفرط.

وشدد جورينشاس على أن معالجة هذه التشوهات تتطلب إصلاحات محلية عوضاً عن اللجوء إلى سياسات الحماية التجارية، موضحًا أن الصين مطالبة بتحفيز الاستهلاك الداخلي، فيما يجب على أوروبا زيادة الاستثمار في البنية التحتية، بينما يتعين على الولايات المتحدة خفض عجزها المالي وضبط وتيرة الإنفاق العام.

وأشار التقرير إلى أن البيانات التي استند إليها جمعت قبل تمرير مشروع قانون أمريكي ضخم يهدف إلى خفض الضرائب وزيادة الإنفاق، وهو ما قد يضيف 3.4 تريليون دولار إلى العجز الأمريكي خلال العقد المقبل، وفقًا لتقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس.

وأضاف جورينشاس أن الانخفاض الكبير في قيمة اليوان الصيني، إلى جانب انخفاض الدولار الأمريكي، قد يسهم في توسيع فوائض الحساب الجاري للصين، مشيرًا إلى أن التعريفات الجمركية لم يكن لها تأثير جوهري على اختلالات التوازن العالمية، حيث أنها تؤدي في العادة إلى انخفاض الاستثمار والمدخرات في البلدان التي تفرضها، ما يجعل التغير في أرصدة الحساب الجاري محدودًا.

السياسات الجمركية

على صعيد آخر، سلط التقرير الضوء على تداعيات عدم اليقين بشأن السياسات الجمركية، مؤكداً أن ذلك يُضعف ثقة المستهلكين والشركات، ويزيد من تقلبات الأسواق المالية، وقد يتسبب في استمرار قوة الدولار الأمريكي، رغم أن العملة الأمريكية سجلت انخفاضاً بنسبة 8% منذ يناير الماضي، وهو أكبر تراجع نصف سنوي منذ عام 1973.

ورغم استمرار هيمنة الدولار على النظام النقدي العالمي، أشار الصندوق إلى أن تنامي التفتت الجيواقتصادي، وتزايد استخدام اليوان الصيني في التجارة الدولية، وظهور أنظمة دفع بديلة وأصول رقمية خاصة، كلها عوامل قد تؤدي إلى تخفيف دور الولايات المتحدة كمصرفي عالمي وشركة تأمين.

واختتم جورينشاس تحليله بالقول: "رغم أن مخاطر الاضطرابات الخطيرة في النظام النقدي الدولي لا تزال معتدلة، إلا أن الزيادات السريعة والكبيرة في اختلالات التوازن العالمية قد تؤدي إلى آثار سلبية عابرة للحدود".

وحذر من أن إحدى المخاطر الكبرى التي تهدد الاقتصاد العالمي حالياً هي لجوء الدول إلى فرض مزيد من الحواجز التجارية لمواجهة هذه الاختلالات، ما سيؤدي إلى تعميق التفتت الجيواقتصادي، والتسبب بأضرار طويلة الأمد على النمو والاستقرار العالمي.