مستقبل بلا تدخين.. الدول تتسابق نحو مجتمعات خالية من التبغ


الجمعة 04 يوليو 2025 | 11:35 مساءً
التدخين
التدخين
وكالات

في عالم يشهد تغيرات متسارعة في قضايا الصحة العامة، تتقدم قضية "عالم بلا تبغ" كواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل، خاصة مع تراجع معدلات التدخين عالميًا والاتجاه نحو تبني سياسات صارمة للحد من انتشار هذه العادة التي تُعد السبب الأول للوفيات التي يمكن الوقاية منها في العالم. وبينما يرى البعض أن الخطوات نحو إنهاء التدخين تمثل تقدمًا في حماية الصحة العامة، يعتبرها آخرون قيودًا على الحريات الشخصية، ليثار التساؤل: هل نحن حقًا نقترب من عالم خالٍ من التدخين؟ أم أن الطريق ما زال طويلًا ومليئًا بالتحديات؟

فرنسا تخطو خطوة جديدة نحو مجتمع خالٍ من التدخين

مع بداية يوليو 2025، دخلت حيز التنفيذ في فرنسا تدابير جديدة تقيد التدخين في عدد من الأماكن العامة، في خطوة تهدف إلى تقليل انتشار التدخين في بلد كان يُعرف سابقًا بأنه "أمة المدخنين". ورغم نجاح سياسات مكافحة التدخين في خفض نسبة المدخنين عالميًا، إلا أن محاولات بعض الدول نحو الوصول إلى حظر شامل واجهت عراقيل متنوعة، أبرزها الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بتطبيق مثل هذه السياسات.

بوتان.. تجربة الحظر الكامل تنتهي بخيبة أمل

في عام 2004، أعلنت بوتان قرارًا جريئًا بمنع استيراد وبيع التبغ ومنتجاته، محاولة خلق مجتمع خالٍ من السجائر بالكامل، ضمن رؤيتها القائمة على قياس "السعادة القومية" بدلاً من الناتج المحلي الإجمالي، والحفاظ على أكثر من 60% من أراضيها كغابات طبيعية.

لكن مع انتشار التهريب خلال جائحة كوفيد-19 عام 2020، اضطرت الحكومة لإلغاء معظم بنود الحظر لتقليل السوق السوداء، مع التوجه لاحقًا إلى برامج توعية وتشجيع الإقلاع عن التدخين، بعد أن أثبتت التجربة أن الحظر وحده لم يسهم في تقليل معدلات التدخين، بل زاد من توفر السجائر بطرق غير قانونية.

نيوزيلندا.. حلم جيل غير مدخن يتعثر سياسيًا

كانت نيوزيلندا واحدة من الدول الطموحة في محاولة خلق "جيل خالٍ من التدخين"، حيث أصدرت قانونًا عام 2022 يحظر على أي شخص مولود عام 2009 أو بعده شراء السجائر عند بلوغ سن 18 عامًا، ضمن خطة تدريجية نحو تقليص التدخين.

إلا أن تغير الحكومة في 2023 أدى إلى إلغاء القانون رغم التأييد الشعبي الواسع له، نتيجة ضغوط سياسية مرتبطة بمصالح مالية تتعلق بعائدات الضرائب على التبغ، التي استُخدمت لاحقًا في تمويل التخفيضات الضريبية. ومع ذلك، أكدت الحكومة التزامها بهدف بناء مجتمع خالٍ من التدخين على المدى الطويل، رغم العقبات الاقتصادية قصيرة الأجل.

مبادرات عالمية نحو الحد من التدخين

تسير دول عدة على نهج مشترك نحو تقليل نسبة المدخنين إلى أقل من 5% خلال العقود المقبلة، حيث وضعت البرتغال وكندا وأستراليا أهدافًا واضحة لهذا التوجه، بينما حدد الاتحاد الأوروبي عام 2040 لتحقيق هذا الهدف.

من جهتها، أصدرت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي تقريرها العاشر حول "وباء التبغ العالمي"، مشيرة إلى أن أكثر من 6 مليارات شخص حول العالم مشمولون اليوم بنوع من سياسات مكافحة التبغ، سواء عبر زيادة الضرائب، أو حظر الإعلانات، أو إطلاق برامج المساعدة على الإقلاع.

وبحسب التقرير، انخفضت نسبة المدخنين عالميًا من 32% عام 2000 إلى أقل من 20% في الوقت الحالي، إلا أن 80% من المدخنين ما زالوا يعيشون في دول ذات دخل منخفض أو متوسط، ومعظمهم من الذكور.

هل الطريق نحو عالم بلا تبغ ممكن؟

تثبت تجارب الدول أن مواجهة عادة التدخين تحتاج إلى أكثر من مجرد قوانين الحظر، إذ يواجه المسار نحو إنهاء التدخين تحديات اقتصادية وثقافية، إضافة إلى مواجهة شركات التبغ العالمية التي تسعى إلى الحفاظ على حصتها في الأسواق. ومع ذلك، فإن النجاحات المستمرة في خفض معدلات التدخين عالميًا، إلى جانب زيادة الوعي المجتمعي، تشير إلى إمكانية تحقيق حلم "عالم خالٍ من التبغ" على المدى الطويل، بشرط الاستمرار في التوعية والتدرج في تنفيذ السياسات لتكون قابلة للاستدامة والتطبيق.