هدنة تجارية مؤقتة بين أمريكا والصين تُشعل سباق الشحن وتُنذر باختناقات عالمية


السبت 17 مايو 2025 | 06:22 مساءً
سفينة شحن تابعة لشركة ميرسك
سفينة شحن تابعة لشركة ميرسك
حسين أنسي

بدأت الأسواق العالمية تشهد تحركات غير اعتيادية في قطاع الشحن البحري، مع إعلان الولايات المتحدة والصين هدنة تجارية مدتها 90 يوماً لوقف الرسوم الجمركية المتبادلة،ما يُعيد إلى الأذهان مشاهد الفوضى اللوجستية التي عرفها العالم خلال جائحة كوفيد-19.

وخلال أيام فقط من الإعلان، قفزت حجوزات سفن الحاويات بشكل لافت لنقل البضائع من الصين إلى الولايات المتحدة، حيث يسعى المستوردون الأمريكيون إلى استباق الموعد النهائي لإعادة فرض الرسوم عبر شحن أكبر قدر ممكن من البضائع خلال هذه النافذة الزمنية المحدودة.

ازدحام في الموانئ وتكدّس في المصانع الصينية

شهد ميناء "يانتيان" في مدينة شنتشن –أحد أكبر بوابات التصدير الصينية– ارتفاعاً حاداً في حركة الشحن، ما أدى إلى ازدحام الأرصفة وتأخير الجداول الزمنية للتحميل. وتتعامل الموانئ الصينية اليوم مع تدفقات ضخمة من البضائع، تشمل أحذية رياضية، أثاث، لوازم بناء، قطع غيار سيارات، وألعاب موسمية، وسط ضغط متزايد من كبرى سلاسل التجزئة الأمريكية مثل "وول مارت" و"أمازون" و"تارجت".

وأفادت شركة "فيزيون" المتخصصة في تتبع شحنات الحاويات أن متوسط الحجوزات اليومية ارتفع بنسبة 277% خلال الأسبوع المنتهي في 14 مايو 2025، ليصل إلى أكثر من 21,500 وحدة مكافئة لعشرين قدماً، مقارنة بأقل من 6,000 وحدة في بداية الشهر.

شركات الشحن تتحرك.. لكن المساحات تنفد

من جانبها، أكدت شركات تشغيل الحاويات مثل "هاباج-لويد" الألمانية أنها لا تستطيع تلبية جميع الطلبات الجديدة، حيث باتت الأولوية للعملاء أصحاب العقود طويلة الأجل، فيما لا تتوفر مساحات كافية للحجوزات العفوية. وقالت الشركة في تصريحات خاصة: "لدينا سعة محدودة للغاية… ونُجري تعديلات يومية على الجداول الزمنية لتلبية الارتفاع الهائل في الطلب".

هذا التدافع السريع أدى إلى تكدّس في جداول المصانع الصينية التي باتت تعاني من ضغوط إضافية لشحن منتجات تم تجميدها سابقاً، خاصة تلك المرتبطة بموسم العطلات.

أسعار الشحن ترتفع.. والتوقعات تشير لمزيد من التصعيد

بدأت أسعار الشحن الفوري بالارتفاع نتيجة الضغط على الخطوط البحرية، حيث سجلت تكلفة شحن حاوية قياس 40 قدماً من شنغهاي إلى لوس أنجلوس زيادة بنسبة 16% خلال أسبوع واحد، لتصل إلى 3,136 دولاراً. وتشير بيانات شركة "دروري" للاستشارات البحرية إلى أن هذه الأسعار قد ترتفع إلى 6,000 دولار مع بداية يونيو المقبل، إذا ما وافقت شركات الشحن على تطبيق زيادات إضافية.

ورغم ذلك، يستبعد مسؤولو الموانئ الأمريكية تكرار أزمة كوفيد بنفس الحدة، لكنهم لا يخفون قلقهم من موجة شحن كبيرة قد تتسبب في تأخير العمليات على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

مخاوف متجددة من عدم الاستقرار التجاري

تثير هذه المستجدات قلق قطاع التجزئة والتصنيع الأمريكي، خاصة في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن ما سيحدث بعد انتهاء مهلة التسعين يوماً. وترى جيسيكا دانكيرت، نائبة رئيس سلسلة التوريد في رابطة قادة صناعة التجزئة الأميركية، أن الشركات تعطي الأولوية للمنتجات ذات الطلب المرتفع والمخزون المنخفض، بينما تُبقي أعينها على تطورات المفاوضات بين واشنطن وبكين.

وتُشير مصادر من قطاع اللوجستيات في مدينة شنتشن الصينية إلى أن الطلب الكثيف يدفع الموردين إلى تسريع وتيرة العمل بشكل غير مسبوق، فيما بدأت بعض الشركات الأمريكية بتخزين البضائع تحسباً لعودة مفاجئة للرسوم الجمركية.

هل تكفي المهلة لتفادي أزمة؟

يُجمع الخبراء على أن فترة التسعين يوماً قد تكون قصيرة جداً لتلبية الطفرة في الطلب، خاصة أن العديد من شركات النقل قامت سابقاً بتقليص رحلاتها بين الصين والولايات المتحدة. ومع العودة المفاجئة للطلب، تجد نفسها مضطرة الآن لإعادة تشغيل تلك الرحلات خلال وقت قياسي.

ويبقى التساؤل: هل تستطيع منظومة الشحن العالمية امتصاص هذه الصدمة المؤقتة؟

الإجابة غير محسومة، لكن إن لم تُتوصل لاتفاق تجاري دائم بين القوتين الاقتصاديتين، فقد يكون ما نشهده اليوم بداية لموجة اضطرابات جديدة في سلاسل الإمداد العالمية.