أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة "بافالو" الأميركية، نجاحًا باهرًا للقاح تجريبي في توفير حماية كاملة بنسبة 100% لفئران التجارب، ضد سلالة H5N1 2.3.4.4b، وهي سلالة شديدة الخطورة من فيروس إنفلونزا الطيور.
وتُعد هذه السلالة مصدر قلق عالمي، بعد تسببها في تفشيات واسعة النطاق بين الطيور البرية والدواجن، وامتدادها المقلق إلى الماشية والأسماك والثدييات الأخرى مثل القطط وأسود البحر.
ويعتمد هذا اللقاح المُبتكر على تقنية فريدة تُعرف باسم منصة لقاح نانوية (CoPoP)، وهي تقنية سبق وأن أظهرت نتائج واعدة في اختبارات سريرية كلقاح محتمل ضد "فيروس كورونا"، مما يعزز الآمال في إمكانية استخدامها بكفاءة لمكافحة سلالات إنفلونزا الطيور المتطورة.
ويعمل اللقاح الجديد بآلية ذكية، تستهدف نقطتين حيويتين في فيروس إنفلونزا الطيور: البروتين الأول "الهيماجلوتينين" (H5)، الذي يمكّن الفيروس من الالتصاق بخلايا الكائن الحي، والبروتين الثاني "النورامينيداز" (N1)، الذي يساعد الفيروس على الانتشار والتكاثر داخل الجسم.
جسيمات أصغر من شعرة الإنسان بآلاف المرات
وقام العلماء بتصنيع جسيمات متناهية الصغر، أصغر من شعرة الإنسان بآلاف المرات، وقاموا بتحميلها بقطع صغيرة ومحددة من هذين البروتينين الفيروسيين، وعند حقن اللقاح في الجسم، يتعرف الجهاز المناعي على هذه الأجزاء الفيروسية ويبدأ في تكوين استجابة مناعية قوية ضدها، بحيث يكون الجسم مستعدًا لتدمير الفيروس الحقيقي بسرعة وفعالية في حال تعرضه للإصابة.
نتائج مذهلة حققت حماية كاملة بنسبة 100%
ولتقييم فاعلية اللقاح التجريبي ضد سلالة إنفلونزا الطيور 2.3.4.4b، أجرى الباحثون اختبارات على الفئران باستخدام ثلاث تركيبات مختلفة من اللقاح، وكشفت النتائج المذهلة أن التركيبة الأولى، التي احتوت على بروتين H5 فقط، حققت حماية كاملة بنسبة 100%، حيث منعت تمامًا ظهور أي أعراض مرضية على الفئران، وحافظت على أوزانها الطبيعية، ولم يتم الكشف عن أي أثر للفيروس في رئتيها.
أما التركيبة الثانية التي تضمنت بروتين N1 فقط، فقد حققت حماية جزئية بلغت 70%، مع ظهور بعض الأعراض الطفيفة على الفئران، بينما حققت التركيبة الثالثة التي جمعت بين بروتيني H5 وN1 حماية كاملة أيضًا، لكنها لم تتفوق على فاعلية بروتين H5 بمفرده، مما يشير إلى أن بروتين H5، الذي يعمل بمثابة "مفتاح" لدخول الفيروس إلى الخلايا، يلعب دورًا أكثر أهمية في تحفيز المناعة مقارنة ببروتين N1، الذي يعمل كـ "مقص" مساعد لتكاثر الفيروس.
ورغم هذه النتائج، أكد الباحثون على أن وجود بروتين N1 يظل مهمًا للمساهمة في تقليل شدة الأعراض والحد من انتشار الفيروس، خاصةً مع التطور المستمر للسلالات الفيروسية الجديدة.
ماذا يميز اللقاح الجديد؟
ويتميز هذا اللقاح الجديد بعدة مزايا تجعله متفوقًا على اللقاحات التقليدية المستخدمة حاليًا. فهو لا يعتمد على البيض في عملية تصنيعه، على عكس اللقاحات الحالية التي تتطلب أسابيع لتحضيرها في بيض الدجاج، مما يجعله أسرع في الإنتاج وأقل عرضة لخطر التلوث.
كما يمكن تعديله بسهولة وسرعة لمواجهة أي سلالات جديدة قد تظهر من الفيروس، بالإضافة إلى ذلك، فإن المواد المنشطة المضافة إلى اللقاح تعزز بشكل كبير قوة استجابة الجهاز المناعي. والأهم من ذلك، أن التقنية النانوية المستخدمة في هذا اللقاح قد أثبتت بالفعل نجاحها في التجارب السابقة للقاحات فيروس كورونا، مما يمنح هذا اللقاح الجديد مصداقية كبيرة ويثبت فاعليته المحتملة.
وأكد الباحثون أن هذه الخصائص الفريدة تجعل اللقاح الجديد مرشحًا قويًا، ليصبح اللقاح المثالي للتصدي لخطر إنفلونزا الطيور المتزايد.
أهمية قصوى للقاح في الوقت الراهن
وقد اكتسب هذا الاكتشاف العلمي أهمية قصوى في الوقت الراهن، في ظل الانتشار المتزايد للسلالة الخطيرة H5N1 2.3.4.4b بين الطيور والحيوانات، وبدء ظهور حالات إصابة بشرية متفرقة؛ حيث يُعتبر هذا اللقاح الجديد أداة حيوية يمكن أن تساهم في وقف تطور الفيروس إلى أشكال أكثر خطورة، وحماية العاملين في قطاعات الدواجن والثروة الحيوانية، الذين يُعتبرون الأكثر عرضة للعدوى، بالإضافة إلى تمكين السلطات الصحية من الاستجابة السريعة والفعالة لأي موجات تفشٍ جديدة قد تحدث.
وعلى الرغم من أن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن يصبح هذا اللقاح متاحًا للاستخدام العام، إلا أن المؤلف الرئيسي للدراسة، جوناثان لوفيل، أكد أن النتائج الأولية للدراسة تبعث على تفاؤل كبير، وتفتح آفاقًا جديدة لتطوير لقاحات أكثر فاعلية لمواجهة هذا التهديد الصحي العالمي المتنامي.