أكد المصرفيون أن قرار البنك المركزى المصرى برفع نسبة الاحتياطى الإلزامى لودائع لبنوك لديه إلى 14٪ يُعد خطوة جديدة من جانب «المركزي» فى إطار جهوده المتواصلة للسيطرة على معدلات التضخم، حيث إن استمرار السيولة بوضعها الحالى بالبنوك يؤدى لمزيد من الارتفاع فى معدلات التضخم.
وأشاروا إلى أن البنوك كانت تودع 14٪ احتياطى إلزامى لدى المركزى قبل ثورة يناير، ولكن نتيجة للأحداث والتوترات التى مرت بها البلاد فى ذلك الوقت، قرر المركزى خفض نسبة الاحتياطى الإلزامى إلى 10٪ للمساهمة فى زيادة السيولة بالبنوك وزيادة حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة بما ينعكس إيجابيا على حجم النشاط الاقتصادى وزيادة الإنتاج الكلى للبلاد.
وأضافوا أنه ليس هناك حاجة لأن تظل معدلات السيولة المصرفية بالبنوك مرتفعة فى الوقت الحالى بعد تحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية واتجاه الدولة نحو تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وعلى جانب آخر، تخوف البعض من تأثير ذلك القرار على معدلات أرباح البنوك نتيجة لسحب نسبة أكبر من السيولة المتاحة لديهم وإيداعها فى البنك المركزى، مما يترتب عليه خفض معدل توظيف هذه السيولة، وهو ما سيؤدى إلى زيادة تكلفة الودائع التى تصل على بعض الأوعية إلى 16٪ و20٪، وبالتالى الحد من ربحية البنوك، بسبب انخفاض الفرص الربحية الضائعة لقيمة الوديعة التى يتم الاحتفاظ بها لدى المركزى دون فائدة.
فى البداية، أكد عاكف المغربى..نائب رئيس بنك مصر أن العديد من البنوك العاملة بالسوق المصرفى المصرى ستتجه إلى خفض أسعار الفائدة على الودائع قصيرة الأجل كردة فعل طبيعية على قرار المركزى برفع نسبة الاحتياطى الإلزامى من الودائع لتصل إلى 14٪ بدلا من 10٪، موضحاً أن ذلك القرار جاء بهدف سحب جزء من السيولة التى جمعتها البنوك نتيجة رفع الفائدة على الودائع ووصولها إلى 20٪ والتى دعمت قدرة الاقتصاد المصرى على التصدى لأزمة العملة التى عانت منها البلاد لمدة طويلة اثرت فى مختلف المناحى الاقتصادية.
وأوضح المغربى أن رفع سعر العائد على الأوعية الادخارية قصيرة الأجل جاء بهدف سحب السيولة من السوق برفع قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، ومن ثم القضاء على ظاهرة الدولرة بالتزامن مع قرار تعويم العملة، مضيفا أنه بعد استقرار الأوضاع وانتهاء أزمة الدولار ستبدأ المؤشرات الاقتصادية فى العودة إلى طبيعتها وعلى رأسها معدلات التضخم، حيث إن البنك المركزى المصرى لديه مجموعة كبيرة من الأدوات التى يستخدمها لخفض معدلات التضخم ولدعم موقف الجنيه أمامالعملة الأجنبية، وفى إطار ذلك يعرّف التضخم على أنه المعدل الإجمالى لزيادة سعر السلع والخدمات فى الاقتصاد خلال فترة معينة من الزمن، وهو مقياس لتخفيض قيمة عملة البلد.
وأضاف أن الاقتصاد المصرى ينمو بسرعة كبيرة ويمكنه أن يواجه ارتفاع معدلات التضخم، ولكن دور البنك المركزى أساسى فى مراقبة التضخم وضبط أسعار الفائدة لتحقيق التوازن، مؤكدا أنه يمكن السيطرة على معدلات التضخم من خلال زيادة الإنتاج وتشجيع الزراعة والصناعة بقيمة مضافة محلية عالية ودخول المنتجات المحلية بشكل كامل فى الصناعة وليس الاعتماد على الخارج فى أجزاء كثيرة من الصناعات.
واعرب المغربى عن مخاوفه من أن يؤدى ارتفاع نسبة الاحتياطى الإلزامى إلى تراجع حجم أرباح البنوك نتيجة لسحب نسبة أكبر من السيولة المتاحة للقيام بتمويلات مختلفة، ومن ثم الحصول على عائد على أن يتم إيداعها فى البنك المركزى بدون عائد، كما سينتج عن القرار، كنتيجة طبيعية لذلك، خفض معدل توظيف السيولة بالبنوك، وهو ما سيؤدى إلى زيادة تكلفة الودائع التى تصل على بعض الأوعية إلى 16٪ و20٪ وهو ما يحد من ربحية البنوك، ولذلك ستتجه البنوك إلى اختيار وسائل بديلة منها خفض العائد على الأوعية الادخارية قصيرة الأجل وعودتها إلى معدلاتها الطبيعية مرة أخرى.
ومن جانبه، يرى عمرو طنطاوى.. العضو المنتدب لبنك مصر- إيران للتنمية أن رفع البنك المركزى المصرى للاحتياطى الإلزامى يأتى كتدرج طبيعى للخريطة الإصلاحية للاقتصاد المصرى ويعتبر وسيلة من وسائل السيطرة على ارتفاع معدلات التضخم، موضحاً أن وجود سيولة زيادة فى القطاع المصرفى يدفع البنوك إلى منح تسهيلات ائتمانية أكبر فى محاولة لتوظيف تلك السيولة المتاحة، وقد تلجأ البنوك إلى التخلى عن بعض طلبات منح الائتمان فى سبيل تحقيق التوظيف، ولذلك ظهرت تخوفات من وجود ائتمان يعانى من صعوبة فى التحصيل، لذا جاء قرار البنك المركزى المصرى برفع نسبة الاحتياطى الإلزامى.
وأضاف طنطاوى أن الاحتياطى الإلزامى هو نسبة من إجمالى ودائع العملاء بالبنوك، سواء بالعملات المحلية أو الأجنبية يفرض البنك المركزى على البنوك إيداعها لديه دون حصولها على عائد مقابل الإيداع، والهدف من ذلك هو ضمان عدم تعرض البنك المودع للاحتياطى لأى مخاطر فى حالة حدوث سحب جماعى من العملاء لودائعهم، كما يستخدم الاحتياطى الإلزامى كإحدى أدوات السياسة النقدية للبنك المركزى للتدخل فى السوق عبر سحب أو زيادة السيولة، بما يساهم فى التأثير على معدلات التضخم خاصة من ناحية العوامل المتعلقة بالطلب، حيث كلما زادت السيولة ارتفع الطلب على شراء السلع ومن ثم ارتفعت معدلات التضخم، والعكس.
وأضاف أن البنوك ستواجه نقطة محورية بعد رفع الاحتياطى الإلزامى تتمثل فى الفرص الربحية الضائعة لقيمة الوديعة التى يتم الاحتفاظ بها لدى «المركزى» دون فائدة وبذلك يكون لدى البنوك فرصة فى توظيف 86٪ من الودائع بدلا من 90٪ نتيجة رفع الاحتياطى الإلزامى، مما يؤدى لارتفاع التكلفة نتيجة الفائدة العالية على الودائع والتى تصل فى بعض البنوك إلى 20٪، الأمر الذى ينتج عنه انخفاض أرباح البنوك كنتيجة طبيعية لارتفاع تكلفة العائد على الودائع بالنسبة للبنوك.
وقال: وعلى الجانب الاخر، قد يؤدى ذلك القرار إلى مزيد من الارتفاع فى فوائد الائتمان، ومن ثم تلجأ البنوك إلى حلول بديلة للتحايل على القرار بخفض الفائدة على الودائع»، مضيفا أن دور البنوك العاملة فى السوق المصرفى المصرى هو الوساطة المالية بمنح العميل عائد على مدخراته، وفى الوقت ذاته منح قروض والحصول على فائدة منها والفرق بين عائد المدخرات وفوائد القروض يعبر عن أرباح البنوك، ولذلك فإنه من الطبيعى عند ارتفاع العائد على أحد شقى المعادلة، سواء المدخرات أو القروض يرتفع كأمر طبيعى العائد على الطرف الثانى لكى تحافظ البنوك على معدل أرباحها.
وتابع طنطاوى: «يمكن الحد من التضخم عن طريق زيادة الدين العام والاستدانة من الدول الأخرى بشرط أن تكون الدولة قادرة على السداد فيما بعد، بالإضافة إلى تحديد مصادر الإيرادات والفائض من الموازنة من جانب وزارة المالية، وبالتالى خفض معدل التضخم، هذا إلى جانب استبدال شراء السلع الكمالية بالسلع الأولية، ويتم ذلك من خلال فرض ضرائب عالية على السلع الكمالية، مع ضرورة تقليص الإنفاق الحكومى حتى ينخفض عرض النقد فى السوق.
وأشار «طنطاوى» إلى أن مبادرات البنك المركزى الخاصة بدعم قطاعات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والسياحة والصناعة تهدف إلى عودة معدلات الإنتاج إلى طبيعتها بشكل يؤتى بثمار إيجابية على توافر السلع المنتجه محليا بالأسواق، ومن ثم خفض معدل التضخم، بالإضافة إلى أن عدم وجود احتياطى إلزامى على المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمنحها ثبات وقوة تمويلية بنكية لا تتأثر بمختلف القرارات الأخرى نتيجة لأهميتها فى النهوض بالاقتصاد المصرى ودورها العظيم فى تنشيط الإنتاج.
ويرى هيثم عبدالفتاح.. مدير عام قطاع الخزانة وأسواق المال ببنك التنمية الصناعية أن رفع البنك المركزى الاحتياطى الإلزامى إلى 14٪ أمر طبيعى ومتوقع خلال المرحلة الحالية، والتى ارتفعت فيها معدلات السيولة بالبنوك، مرجعا ذلك إلى أن استمرار هذه السيولة بوضعها الحالى أمر من شأنه أن يسبب مزيد من الارتفاع فى معدلات التضخم، موضحاً أن البنوك كانت تودع تلك النسبة قبل ثورة يناير ولكن نتيجة للأحداث والتوترات التى مرت بها البلادآنذاك قرر المركزى خفض نسبة الاحتياطى الإلزامى إلى 10٪ للمساهمة فى زيادة السيولة بالبنوك وزيادة حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة بما ينعكس إيجابيا على حجم النشاط الاقتصادى وزيادة الإنتاج الكلى للبلاد، أما فى الوقت الحالى وبعد تحسن الأوضاع السياسية واستقرارها واتجاه الدولة نحو تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فليس هناك حاجة لأن تظل معدلات السيولة المصرفية مرتفعة.
وأضاف «عبدالفتاح» أن البنوك ستتحمل انخفاض أرباحها نتيجة لتنفيذ ذلك القرار إلا أنها قد تلجأ إلى أدوات بديلة لتفادى ذلك ومنها رفع الفائدة على الائتمان أو خفض العائد على الأوعية الادخارية لاسيما قصيرة الأجل منها.
ومن ناحيته، أكد د.فخرى الفقى.. الخبير الاقتصادى أن رفع الاحتياطى الإلزامى إلى 14٪ بدلا من 10٪ يأتى فى إطار استخدام المركزى لأدواته فى التصدى لارتفاع معدل التضخم، موضحا أن تلك النسبة ستسهم فى خفض قيمة السيولة المتاحة لدى البنوك ومن ثم خفض معدلات التوظيف، مشيرا إلى أنه من الأفضل أن تمتلك البنوك قدر أدنى من الاحتياطى تحسبا للتقلبات، ويُعرف الاحتياطى المصرفى بأنه نسبة تُفرض على ودائع البنوك من جانب البنك المركزى المصرى لحماية أصحاب الودائع من إفلاس هذه البنوك فى المستقبل كناحية احترازية، ومن ناحية أخرى تستخدم هذه النسبة التحكم فى الاقتصاد وكمية النقد فى الأسواق عن طريق زيادة النسبة أو تقليلها.
وأضاف أن الاحتياطى الإلزامى يعتبر أحد الأدوات المهمة التى تستطيع الدولة السيطرة بها على كمية النقد فى الأسواق بواسطة البنك المركزي، فإذا أرادت الدولة تشجيع الاستثمار أو تقليل قيمة العملة محليا تعمل على تخفيض هذه النسبة مما يؤدى إلى زيادة كمية النقد فى البنوك، فتستطيع الأخيرة إعطاء كمية أكبر من القروض للأفراد، وبالتالى زيادة النقود فى الأسواق، فتزيد القوة الشرائية فتنخفض قيمة العملة وبالعكس، إذا أرادت الدولة زيادة قيمة العملة أو وجود مشاكل اقتصادية فى الأسواق تعمل الدولة بواسطة البنك المركزى على زيادة نسبة النقد الإلزامى، فعندها تقل كمية النقد فى البنوك ويقل الاقتراض مما يؤدى إلى تقليل كمية النقد فى الأسواق فتقل القوة الشرائية وينتج عن ذلك زيادة قيمة العملة.
وأوضح الفقى أن ارتفاع معدلات التضخم يمثل تهديد على المستثمرين حيث يعنى نقصا فعليا فى قيمة أموالهم المرتبطة بذلك الاستثمار، وكذلك قلة قيمة العوائد التى ينتظرونها من استثماراتهم، فالبدائل أمام المستثمر عديدة، وعندما يختار أحدها فإنه يربط أمواله السائلة بها، ومن ثم تعود له أمواله وهى أقل قيمة مما كانت عليه، وكان من الأفضل له لو صرفها فى مشتريات أخرى، لكان حصل على بضائع ذات قيمة، فلو أنه اشترى بها سلعا معمرة أو سلعة متشربة لعامل التضخم كالأراضى والعقار لكان ذلك أفضل له، مؤكداً أن المدخرين لأصول مالية كالودائع طويلة المدى بالبنوك كثيرا ما يتعرضون جراء التضخم لخسائر كبيرة بسبب التآكل فى القيمة الحقيقية.