تسعى بريطانيا إلى جذب رؤوس
الأموال الخليجية للاستثمار في قطاع العقارات مع قرب بدء إجراءات الانفصال عن
الاتحاد الأوروبي.
وقال مختصون في السوق
العقارية البريطانية، إن رجال الأعمال الخليجيين يعدون من أكثر المستثمرين
المحتملين في هذا القطاع خلال الفترة المقبلة، سواء بهدف استثماري يتمثل في
الاستفادة الشخصية في تلك الوحدات السكانية عبر الإقامة فيها، أو عبر مشروعات
عقارية ضخمة للاستثمار بالبيع والشراء، بحسب صحيفة الاقتصادية.
وأوضحوا أن السلطات
البريطانية أعدت من جانبها أرضية جذابة لهذا النوع من الاستثمارات، فعلى سبيل
المثال شهدت سوق العقارات في لندن بمفردها خلال السنوات السبع الماضية نموا
رأسماليا قدر بنحو 70 في المئة، حيث استقبلت سوق العقارات في بريطانيا العام
الماضي نحو 82.5 مليار جنيه إسترليني.
وأشار المختصون إلى أن
الفترة التي تلت تصويت الناخب البريطاني لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، مثلت
مرحلة جديدة تحمل تغيرات نوعية في سوق العقارات البريطانية، بما يصب في صالح
البلدان الخليجية وتحديدا السعودية على وجه الخصوص.
وقال المختص الاستثماري جون
فيندلي: "هناك ثلاث قوى أجنبية في سوق العقارات البريطانية، الأوروبيون يأتون
في المقدمة، تليهم الاستثمارات الخليجية، ثم الصينية والروسية، حيث تشير أغلب
التوقعات إلى تراجع الاستثمارات الأوروبية في هذا المجال مع خروج بريطانيا من
الاتحاد الأوروبي، كما أن التوتر الراهن في العلاقات البريطانية - الروسية سيضع
حدوداً تلقائية على الاستثمارات الروسية، ولهذا نجد أن الرهان البريطاني الحالي
ينصب على العمل لجذب مزيد من رؤوس الأموال الخليجية والصينية".
وأضاف "إذا كانت رؤوس
الأموال الخليجية المستثمرة في بريطانيا تقدر بما يتراوح بين 150 و200 مليار دولار،
فإن الاستثمارات السعودية تمثل نحو 25 في المئة أو 30 في المئة من إجمالي استثمارات
بلدان المجلس في المملكة المتحدة. ونحو 25 في المئة من الاستثمارات الخليجية يتركز
في مجال العقارات، وبريطانيا تنال الجزء الأعظم من الاستثمارات الخليجية في مجال
العقارات في أوروبا، إذ تحظى تقريبا بنحو 40 في المئة من تلك الاستثمارات".
ويطرح المهندس أندروا ريد
المختص العقاري رؤيته بشأن أهمية العمل على جذب مزيد من الاستثمارات الخليجية وتحديدا
من السعودية والإمارات إلى سوق العقارات البريطانية. قائلا: "في أعقاب
التصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سادت مخاوف حقيقية في سوق
العقارات بأن الاستثمارات الأجنبية ستتراجع، وبالفعل عديد من الصفقات العقارية
الكبرى انهارت أو تمت إعادة التفاوض بشأنها في أعقاب التراجع الحاد في قيمة
الإسترليني، وتراجعت الاستثمارات من 39 مليار دولار إلى 25 مليارا، وأغلب
التقديرات تشير إلى أن أسعار العقارات ستنخفض بنحو 10 في المئة مع انطلاق
المفاوضات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
تغيير مسار الاستثمارات
الخليجية
وأضاف "بالنسبة إلى الاستثمارات الخليجية
فيمكنها أن تغير من مسار بل مستقبل سوق العقارات في بريطانيا، وتحول دون تعرضه
للاهتزاز، وهذا تحديدا ما يجعل الشركات العقارية البريطانية الكبرى تستهدف حاليا
الأسواق الخليجية، خاصة السعودية باعتبارها واحدا من أكبر المستثمرين الخليجيين في
الأسواق البريطانية وأقدمهم، فخلال العام الماضي فقط استثمرت بلدان مجلس التعاون الخليجي
ما قيمته 7.2 مليار دولار في سوق العقارات البريطانية، ومثلت أكثر من 20 في المئة
من قطاع العقارات المستثمر فيها بغرض الإيجار، والتوقعات الراهنة أن الاستثمارات
الخليجية في بريطانيا يمكن أن تتصاعد جراء تراجع العملة البريطانية".
ويعتقد الاقتصادي العربي
المقيم في لندن الدكتور سامي الشاذلي، أن هناك عوامل مساعدة في النظام الاقتصادي
والمالي البريطاني تشجع رؤوس الأموال الخليجية على الاستثمار في قطاع العقارات في بريطانيا.
وقال الشاذلي: "أولا
يجب الأخذ في الحسبان حداثة وتطور النظام المصرفي البريطاني وما يمكن اعتباره
غياباً للقيود المتعلقة بالتحويلات المالية، إضافة إلى السيولة المالية المتاحة في
هذا النظام وجميعها تمثل عناصر جذب قوية لرؤوس الأموال الخليجية".
ويستدرك قائلا "لكن
الأهم هو تنامي مظاهر التمويل الإسلامي في الأسواق المالية البريطانية، وهذا
العامل يشجع العديد من المستثمرين الخليجيين والعرب على الاستثمار في بريطانيا،
ويشجعهم أكثر على الاستثمار في سوق العقارات بما تقدمه المؤسسات المالية
البريطانية من ضمانات وتسهيلات في هذا المجال مقارنة بنظرائها الأوروبيين".
وتشير البيانات البريطانية
إلى أن الطلب على منتجات عقارية متوافقة مع متطلبات الشريعة الإسلامية ينقسم حاليا
بين 52 في المئة لاستثمارات عائلية وشركات و48 في المئة أفراد. وتمثل بلدان مجلس
التعاون الخليجي النصيب الأكبر من المستثمرين في مجال العقارات عبر الآليات التي
تتفق مع الشريعة الإسلامية، حيث يمثلون 48 في المئة من إجمالي الاستثمارات
العقارية، يليهم المسلمون البريطانيون بـ 38 في المئة ثم الماليزيون بـ 10 في
المئة. وتخطط بعض الشركات العقارية الاستثمارية البريطانية إلى أن يكون نصيب
استثماراتها المتوافقة مع الشريعة نحو 17 في المئة من إجمالي استثماراتها جراء
الطلب المتزايد في هذا المجال.
ويطالب رجال أعمال بريطانيون
وشركات عقارية بمنح رجال الأعمال الخليجيين مزيدا من الامتيازات للمساعدة على
تطوير العاصمة البريطانية. فمن وجهة نظر البعض بدأت العاصمة في افتقاد جاذبيتها
المعهودة للاستثمارات الأجنبية جراء الارتفاع الشديد في أسعار العقارات.
وتعلق الخبيرة العقارية ليزا
وايت قائلة: "الارتفاع الشديد لأسعار العقارات في لندن، الذي وصل الآن إلى ثلاثة
أضعاف السعر في باقي المملكة المتحدة، يجعل رؤوس الأموال الأجنبية ومن بينها
الخليجية أكثر رغبة لاستهداف مناطق أخرى خارج لندن، ولذلك منح رؤوس الأموال
الخليجية امتيازات خاصة سيشجعها على المساعدة على تطوير مناطق أخرى عقارية مثل Stevenage وLuton وHarlow، ففي عام 2015 بلغت الاستثمارات العقارية
خارج لندن 25 مليار دولار الاستثمارات الخليجية فيها لا تزال ضئيلة، إذ لم تتجاوز
2.7 مليار دولار، ولا شك أن مزيدا من الاستثمارات الخليجية سيضمن تنويع القاعدة
العقارية المملوكة لبلدان مجلس التعاون الخليجي، وتحقيق عائد مستقبلي أعلى".
وتشير البيانات الرسمية إلى
أن قيمة الوحدات العقارية في تلك المناطق الجديدة أقل 60 في المئة من نظيرتها في
وسط العاصمة البريطانية.
من جانب آخر تشهد رؤوس
الأموال الخليجية وتحديداً السعودية المستثمرة في مجال العقارات في بريطانيا
توسيعا لطبيعة نطاقها الاستثماري من حيث تنويع القاعدة العقارية عبر الاستثمار في
الفنادق الفاخرة، إذ قام مستثمرون سعوديون بشراء أحد الفنادق الفاخرة التي تعد
معلماً رئيسا في لندن، وهو فندق Grosvenor House بقيمة 1.15 مليار دولار، إضافة إلى أغلب أسهم فندق بلازا في
نيويورك. ويعتقد البعض أن ذلك يعكس توجها إيجابيا في طبيعة الاستثمارات الخليجية
المستقبلية في سوق العقارات في أوروبا عامة وبريطانيا على وجه الخصوص.