على مدى العامين الماضيين، كانت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية عند أدنى مستوياتها التاريخية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في عام 2020 لإبقاء الاقتصاد الأمريكي صامدًا في مواجهة عمليات الإغلاق الوبائي، ولذا أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بالقرب من الصفر، وهي خطوة تم إجراؤها مرة واحدة فقط من قبل، خلال الأزمة المالية لعام 2008، ولكن غيّر الفيدرالي الأمريكي سياسته النقدية خلال العام الحالي لتأخذ منحنى مختلفًا كليًّا.
على الرغم من قيام البنوك المركزية الرئيسة في جميع أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة بدرجات غير مسبوقة في محاولة لكبح جماح التضخم، فإن رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية يصاحبه العديد من التأثيرات على باقي البلدان.
تطور سياسة سعر الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الحالي:
في شهر سبتمبر الحالي، قام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة الأمريكي بمقدار (0.75) نقطة مئوية، ويعد رفع سعر الفائدة هو الخامس خلال عام 2022، كما تعد المرة الثالثة على التوالي التي يرفع فيها الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة.
ويسارع بنك الاحتياطي الفيدرالي لدفع أسعار الفائدة إلى ما بعد المنطقة "المحايدة" التي تبلغ (2.5%) تقريبًا، والتي لا تبطئ من الاقتصاد أو تعمل على تنشيطه، وأن يصل بها إلى "المنطقة التقييدية"، والتي تحد من طلب المستهلكين.
ويقع سعر الفائدة القياسي للاحتياطي الفيدرالي الآن بين (3%-3.25%)، ويتوقع المسؤولون أن يتجاوز (4%) بحلول نهاية 2022، ليصل إلى "المنطقة التقييدية".
وتعكس الزيادات الحادة في أسعار الفائدة سوء تقدير الفيدرالي الأمريكي للتهديد الذي يشكله التضخم على الاقتصاد، حيث توقف بنك الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة خلال عام لاعتقاد كبار قادة الاحتياطي الفيدرالي أن الزحف البطيء للتضخم طوال عام 2021 سيكون مؤقتًا، ومنذ أن اتضح أنهم كانوا مخطئين، كان على صانعي السياسات اللحاق بالتضخم الذي تصاعد بشكل غير مسبوق.
وعلى صعيد التوقعات الخاصة بالسياسة النقدية خلال الفترة القادمة، فأشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى المزيد من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة في المستقبل، مما يزيد من مخاطر حدوث ركود في نهاية المطاف، ويتوقع صانعو السياسة رفع سعر الفائدة إلى ما يقرب من (4.4%) بحلول نهاية 2022، وهو أعلى من التوقعات الخاصة بشهر يونيو، كما يتوقعون رفع سعر الفائدة مرة أخرى خلال 2023 إلى حوالي (4.6%)، وسيكون هذا أعلى مستوى منذ عام 2007.
مستويات التضخم في الولايات المتحدة تسجل مستويات تاريخية
بدّد تقرير مؤشر أسعار المستهلك في أغسطس، آمال الأمريكيين في أن يكون التضخم قد بلغ ذروته في الصيف، ولدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ورئيسه جيروم باول، الآن مبرر لاتخاذ خطوات أكبر فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة، من أجل الحد من التضخم.
جاءت بداية تسجيل معدل التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية لمستويات تاريخية خلال شهر مايو 2022، حيث أظهرت البيانات ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة (8.6%) على أساس سنوي، مدفوعًا بارتفاع أسعار المسكن والغذاء والغاز، كما ارتفع معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد المكونات الأكثر تقلبًا مثل الغذاء والطاقة بنسبة (6%) على أساس سنوي، مما جاء متجاوزًا للتوقعات. فضلًا عما سبق، استمرت أسعار الضرورات في الارتفاع خلال شهر مايو، حيث ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة (34.6%) على أساس سنوي، وهي أكبر نسبة منذ عام 2005. أيضًا، ارتفعت أسعار البقالة بنسبة (11.9%) سنويًّا، وهي أكبر نسبة منذ عام 1979، وارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة (12%)، وهي أكبر نسبة منذ أغسطس 2006، وارتفع إيجار السكن الأساسي بنسبة (5.2%) عن العام السابق، وهو أكبر عدد منذ عام 1987.
ولم تهدأ موجات التضخم خلال الأشهر اللاحقة، فعلى الرغم من تراجع معدل التضخم في أغسطس الماضي ليسجل (8.3%) على أساس سنوي، فإنه كان أعلى من توقعات العديد من الخبراء، وجاء ذلك التراجع بعد تسجيله أعلى مستوى في 40 عامًا خلال شهر يونيو الماضي عند 9.1%.