نجحت جهود الدول العربية في خلق كثير من المشروعات الاستثمارية في مصر، بهدف المساندة في التحديات المتباينة بخلاف هدف الاستثمار، وهو ما أشاد به الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأيضاً بدعم العرب للدولة المصرية عقب الأزمات المحلية، منذ اندلاع ثورة الـ 25 يناير، وتبعاتها من نفاد احتياطي البنك المركزي، وارتفاع معدل البطالة إلى 14%.
إضافة إلى أزمة 2016، وانتشار فيروس كورونا، بجانب الأزمة الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، ووقتها قــال الرئيس السيسي: "لولا تدخل الأشقاء العرب بعشرات المليارات من الدولارات منذ 2013، لم تكن مصر قائمة حتى الآن".
كما قال الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وقتئذ، إن الفترة المُقبلة ستشهد اتخاذ إجراءات سريعة لجذب استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار، من خلال التعاون بين صندوقي "مصر السيادي والاستثمارات العامة السعودي"، كما تلقت مصر منذ حوالي شهر وديعة سعودية بمبلغ 5 مليار دولار، في ضوء دعم استثمار المملكة العربية السعودية في مصر.
وارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر والسعودية، لتصل إلى 9.1 مليار دولار خلال عام 2021، مقابل 5.6 مليار دولار خلال عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 62.1%، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وفي سياق متصل، أشارت التعبئة العامة والإحصاء إلى ارتفاع قيمة الاستثمارات الإماراتية في مصر خلال الربع الأول من العام المالي 2021/2022 إلى 448.6 مليون دولار؛ مقابل 353.6 بنفس الفترة من العام المالي السابق بمعدل نمو 26.9%.
يُذكر أن الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج سيف الجروان، توقع ارتفاع الاستثمارات الإماراتية في مصر خلال العشر سنوات المقبلة، لتصل إلى 35 مليار جنيه، مؤكداً أن الشركات الإماراتية المُسجلة داخل مصر، وعاملة في معظم القطاعات يبلغ عددها 1200 شركة.
واشترى الصندوق السيادي الاماراتي، حصصاً في 5 شركات بالبورصة المصرية بقيمة 1.9 مليار دولار بأول أبريل الماضي، وذلك تأكيداً لتفرد العلاقات المصرية السعودية على كل المستويات.
نشاط استثماري عربي في القطاعات المصرية
برزت الاستثمارات العربية في العديد من القطاعات الحيوية في مصر، حيث يشهد المجال العقاري صبغة عربية ملحوظة في مشروعاته القائمة، تضمنت بناء الكثير من المناطق والوحدات السكنية الضخمة داخل الرقعة المصرية، كما انفردت الجهود العربية بحصة كبيرة في قطاع الصحة، من خلال إنشاء معامل تحاليل والعديد من المستشفيات الخاصة، وكذلك قطاعات الصناعة والتجارة والمصرفية والعسكرية.
ويبحث عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خلق فرص لجذب الاستثمارات الإماراتية لقطاع التكنولوجيا، ومناقشة آليات تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في المجالات ذات الصلة، لاسيما المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والخدمات البريدية.
ويعتبر التناغم الاقتصادي الناجم عن النشاط العربي في مصر جاء نتيجة للأبعاد السياسية، التي توطدت بفعل الزيارات المتبادلة بين مصر وقادة هذه الدول منذ عقود وحتى الآن.
في ضوء هذا الاستفهام، أكد خبراء الاقتصاد والاستثمار في تصريحاتهم لـ "الجـــريدة العقـــــارية" أن المشروعات العربية العاملة في السوق المحلية أضافت انتعاشاً اقتصادياً، وتوحداً سياسياً مع دول الوطن العربي، مشددين على ضرورة إبقاء الباب الاستثماري على مصراعيه ليستقبل المزيد من التعاون العربي المشترك، مؤكدين ضرورة تسليط الدولة المصرية هذه الجهود الاستثمارية نحو القطاعات الأكثر ظمًأ واحتياجاً.
النشاط العربي يُعزز من قوة الاقتصاد المحلي
قال أحمد معطي، الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي لشركة فيرجن إنترناشونال ماركيتس، إن تعاظم الاستثمارات العربية العاملة داخل السوق المصرية، جاء بفعل العلاقات السياسية الداعمة مع الدول الشقيقة منذ عقود زمنية، لافتاً إلى أن مصر جاذبة للمستثمرين العرب، نتيجة الاستقرار الأمني السائد في الوقت الحالي، ووجود بنية تحتية برزت بتوجيهات رئاسية.
وتابع: الدول العربية ترى أن مصر بيئة خصبة وواعدة للاستثمار، حيث استطاعت تجاوز كثير من الأزمات بأقل الخسائر، بل وحققت معدلات نمو مرتفعة، كما أنها تستهدف معدلات خلال العام المالي الجاري تصل إلى 5.6%، رغم تحديات فيروس كورونا وتداعيات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.
وأوضح معطي أن أزمة التضخم المُرتفعة لم تكن قاصرة على الاقتصاد المصري، بل أغلب دول العالم، وأن هناك نسبة كبيرة منها مستوردة من الخارج، مشيراً إلى أن مساندة الدول العربية لمصر وسط كل هذه العوائق أنقذتها من سلبيات أطاحت بغيرها، وساهمت في التقليل من حدة أثرها، وكذلك تراجع مؤشر البطالة لحوالي 7.3% من خلال توفير العمل بمشروعاتهم.
توجه الاستثمارات العربية نحو القطاعات المتعطشة
يرى الدكتور أسامة شوقي، الخبير الاقتصادي بأسواق المال، أن ارتفاع قيمة برميل النفط، أدى إلى وجود فوائض ألزمت الدولة الإماراتية بالتوسع الاستثماري للتقليل من حدة تداعيات الأزمة عليها، موضحاً أنها تعمل على استهداف القطاعات المربحة على المدى القصير، أو استكمال المشروعات طويلة المدى التي تتولاها الدولة المصرية حتى تقطع شوط استثماري جيد.
وقال شوقي، إن النشاط العربي داخل مصر هو وسيلة جيدة للربحية، وتفتح الأذهان الاستثمارية، وتقليل البطالة، فضلاً عن جلب العملة الأجنبية، مشدداً على أهمية حرص الدولة على توجيه هذه المشروعات نحو القطاعات المتعطشة للنمو والازدهار، بجانب وضع محددات وموانع للمستثمرين، مثل مراقبة الأسعار وعمليات البيع لآخر وتغيير النشاط، بحيث يستفيد السوق من كافة القطاعات ولا تصبح السوق محتاجة لنشاط على حساب غيره.
جاذبية السوق المصري
قال أحمد خزيم، المستشار الاقتصادي ورئيس منتدى التنمية والقيمة المُضافة، إن المناخ الاقتصادي بمصر يُتيح فرص استثمارية مختلفة أمام المستثمرين العرب، بفعل وجود سوق استهلاكي ضخم بتعداد سكاني حوالي 100 مليون نسمة، لا مثيل له في المنطقة.
وأشاد خزيم بتنوع السوق المصرية للدرجة التي تجعل كل قطاع عامل قادر على تحمل ميزانية دولة، بشرط أن يحسن استغلاله، مثل القطاع الزراعي، والصناعي، والبحري، والسياحي، والخدمي.
وأضاف أن دولة الامارات تستهدف في الوقت الحالي الاستثمار في القطاع اللوجيستي، والتركيز على النقل البحري بمداخل قناة السويس، والذي يمثل أهمية بالغة للدخل القومي، ويظهر ذلك من خلال إنشاءهم لمحطة "سنكر" للوقود بالعين السخنة، كما أن القيمة التقديرية للاستثمارات الإماراتية في مصر تجاوزت الـ 30 مليار دولار، موضحًا أن قيام المستثمرين بالدراسة الجيدة للسوق والبيئة بجانب قوة المشروع نفسه، يُضاعف من فاعليته ونجاحه.
وتوقع خزيم، ضخ استثمارات عربية بقيمة إجمالية تتراوح ما بين 10-15 مليار دولار، خلال الـ 3 سنوات المقبلة، استنادًا إلى ما أعلنته صناديق الاستثمار العربية، مؤكداً أن تحقيق مصر للتوازن بين الاستثمارات السعودية والخليجية، يأتي عليها بالقوة وليس الضعف، موضحاً أن الخطر يتمثل في توحيد المشروعات من دولة واحدة بعينها، لذا يُفضل استكمال مصر في استقبال مزيد من الاستثمارات الجديدة من كافة الدول.