أثارت العملة "ليبرا" التى يعتزم "فيسبوك" إصدارها وطرحها فى العام المقبل، جدلاً ومخاوف كثيرة فى الأوساط المالية العالمية، بما تمثله من تهديد واضح لأوراق البنكنوت، إضافة إلى مخاطرها على الأمن القومى والسياسات النقدية والخصوصية، لا سيّما أن موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك" يضم أكثر من 2.5 مليار مستخدم من جميع أنحاء العالم.
ويسعى "فيسبوك" من وراء إصدار هذه العملة الافتراضية إلى إنشاء صراف آلى لتحويل النقود العادية إلى عملتها الجديدة والعكس، بالإضافة إلى إنشاء منصات تختلف عن منصات الفيسبوك العادية.
وتشبه "ليبرا" عملة الـ"بيتكوين"، لكنها تختلف عن جميع العملات الرقمية (الافتراضية) المشفرة الأخرى، الأمر الذى من شأنه التشجيع على التعامل بها؛ إذ تأمل الفيسبوك فى جمع ما يصل إلى مليار دولار من الشركاء الحاليين والمستقبلين لدعم إطلاق العملة الجديدة، وما سيصاحبها من طرح ما يعرف باسم "كاليبرا" الذى سيتولى مهمة تخزين المعلومات وبيانات المتعاملين بالعملة الجديدة، والفصل بين بيانات مستخدمى العملة ومستخدمى تطبيق "فيس بوك".
وففقًا لما أعلنه موقع "فيسبوك"، فإن العملة الجديدة تمتاز بأنها مربوطة بعدة عملات عالمية، كما أنها محمية من المضاربات المالية، ومدعومة كذلك بأصول حكومية، علاوة على أنه يمكن لموقع "فيسبوك" إصدار المزيد منها عند الحاجة وهو ما يحميها بشكل أكبر من التقلبات التى تتعرض لها أسواق النقد التقليدية، وهو ما يشجّع على ممارسة المزيد من التجارة الإلكترونية اعتمادًا على خدماتها، وتعزيز الإعلانات على منصاتها.
ولا يقتصر التعامل بالليبرا على مستخدمى العملة فحسب، بل إنه يمكن لمستخدمى الفيسبوك جميعًا الذين وصل عددهم 2.5 مليار مستخدم تقريبًا على مستوى العالم استخدامها؛ إذ إن تداول الأموال باستخدامها يتم عبر منصات "الماسنجر" و"الواتس آب" المملوكين للشركة، وسيكون لدى مَن يرغب فى التعامل بها محفظة إلكترونية يمكن من خلالها الاحتفاظ بالمزيد من العملة.
من جانبه، أكد أحمد فهيم، محلل أسواق العملات الرقمية، والمدير العام لشركة UniPips للتدريب والاستثمارات المالية، أن عملة "ليبرا" الرقمية فكرتها دمج بين مميزات العملات الافتراضية والعملات الورقية للوصول إلى أعلى مستوى من النجاح، فهى تختلف عن العملات الافتراضية الأخرى التى بدأت من بعد 2009 وأحدثت ثورة العملات الرقمية، وكان من أشهرها عملة "البيتكوين"، مشيرًا إلى أن "الليبرا" سوف تستخدمها 28 شركة عالمية حتى الآن والفيسبوك من ضمنها، ومن أبرزها "باى بال وماستركارد، وأوبر، وسبوتيفاى، وفيزا، وeBay، وBooking، وCoinbase"
ولفت فهيم إلى أنه يرفض تسمية "ليبرا" بعملة "الفيسبوك"، لأن الفيسبوك ليس المطلق لها بل هو المعلن عن إطلاقها؛ لأنه يستهدف مستخدمينه البالغ عددهم 2.5 مليار شخص حول العالم.
ويوضح أن مشكلات العملات الرقمية تتمثل فى أنها عملات "اللامركزية" ذات المزايا والعيوب فى الوقت واحد، مشيرًا إلى أن العملات المركزية لديها مركز يمكننا الرجوع إليه ونتعامل بها ونتداولها من خلاله، أما عن العملات "اللامركزية" فنستطيع أن نتداولها دون أى رقيب وبسرعة ومرونة، والخطورة فى ذلك عدم وجود رقيب عليها وهذا بالطبع يعد تهديدًا للأمن القومى.
وأوضح أن "ليبرا" عملة "شبه مركزية" فهى تتفادى عيوب العملات الورقية والرقمية وتجمع بين مميزات كل منهما، موضحًا أنها سيكون لها مركز ومرجع، فكل شركة من الشركات المستخدمة لها سيكون لها أصل وحصة ثابتة وهذا ما يُطمئن فى التعامل بالعملة.
وأكد ضرورة معرفة الفرق بين الاستثمار والمضاربة؛ حيث إن الاستثمار هو شراء أصول والاستثمار فيها من أجل رفع قيمتها، أما المضاربة فهى شراء مبلغ كبير يعتمد على الحركة السريعة لزيادة قيمته، ولذلك فإن البيتكوين أكبر ممول للمضاربة فى العالم الحديث؛ حيث إنها قفزت قفزة كبيرة مع أواخر 2017 لتصبح قيمتها 20 ألف دولار، ولكن الليبرا تختلف عنها لأنها ستكون عملة شبه مركزية.
ويقول فهيم إن الاستثمارات فى العملات الرقمية بالبلاد العربية مخاطرة؛ لأنها ليست مضمونة، فلا نسطيع أن نحكم على عملة "الليبرا "دون معرفة مصدرها والمرجعية الشرعية لها لنقبل التعامل بها، وفى تجربة استثمار الكويت فى عملة "البيتكوين" الرقمية فقد خسرت 60 مليار دولار، وفى عام 2017 حدث انهيار فى استثمارت الدول العربية للعملات الرقمية بنسبة 170 %، مما أدى إلى الشعور بعدم الاطمئنان للعملات الورقية بالبلاد العربية.
ويؤكد عمرو عبدو، الشريك المؤسس لأكاديمية Market" Trader" الأمريكية لدراسات أسواق المال، أن "الليبرا" ستغير علاقتنا مع المال؛ لأن العملات الرقمية لا تعتبر عملات مركزية ولا تعتمد على جهة محددة وهذا هو الاقتصاد الجديد وهو "الاقتصاد اللامركزى"؛ حيث إنها ستجعلنا نتبادل القيمة بيننا بكل سهولة وسرعة مثل تبادل الرسائل والمعلومات من أى مكان فى العالم.
وأشار إلى أنه فى حالة نجاح "الليبرا" سوف تكون أكبر عملة اقتصادية فى العالم؛ لأن جميع مستخدمى الفيسبوك سيتداولونها فى حياتهم اليومية وهذه هى القيمة التى ستتمتع بها.
وأوضح أن الارتفاع والانخفاض سمة أساسية فى الأسواق وخاصة الأسواق التكنولوجية، فمن الممكن أن يخسر شخص فى المضاربات أو الاستثمار فى العملات الافتراضية حتى إذا كانت لديه نظرة صحيحة وقرار صائب، لافتًا إلى أن الاستثمار فى "الليبرا" أمر به خطورة ويحتاج مجاذفة كبيرة.
ويشير إلى أن مشروع "الليبرا" يحتاج إلى دراسة وتقبل من الهيئات الرقابية لهذه التكنولوجيا؛ حيث إن هذا المناخ التكنولوجى ينمو ويصبح أكثر جاذبية كل يوم فى العالم.
فى السياق ذاته، قال الدكتور فخرى الفقى، الخبير الاقتصادى ومستشار صندوق النقد الدولى السابق، إن عملة الليبرا هى عملة افتراضية رقمية مشفرة غير ملموسة تتواكب مع التطور التكنولوجى الهائل الذى يحدث بالعالم، حيث إن "الفيسبوك" يعلن عن هذه العملة ويستهدف جمهوره ومستخدمينه الذى بلغ عددهم 2.5 مليار نسمة حول العالم، من خلال إنشاء صراف آلى لتحويل النقود العادية إلى عملتها الجديدة والعكس.
ويضيف الفقى أن "الليبرا" تتجنب أخطاء العملات الافتراضية الأخرى وتعتمد على "الفيسبوك"، وتتطلب دراسة كاملة عن كيفية تأمينها وتحصينها من عمليات الاختراق والسرقة، موضحًا أن الفيسبوك نظام قوى يستخدمه ثلث سكان العالم، وعندما يتمكن من التعامل بالعملة وتطبيقها بشكل محكوم من خلال نظام السلاسل المغلقة "البلوك شين Block chain"" ستنجح العملة وتتفوق على العملات الافتراضية الأخرى التى لم تشهد نجاحًا كبيرًا، ومن الممكن أن تستخدم للاستثمار أيضًا وتنافس العملات النقدية العالمية.
ويوضح الفقى أن هذه العملة الإلكترونية توفر السهولة والمرونة فى التسوق والتجارة الإلكترونية مثل تسديد المدفوعات عبر الفيسبوك أو الماسنجر أو الواتس آب وغيرها من المنصات الإلكترونية وأيضًا الحصول على التطبيقات والألعاب المدفوعة من خلال السحب من الرصيد الموجود فى محفظة العميل الإلكترونية.
وتشير الدكتورة بسنت فهمى، الخبيرة الاقتصادية ووكيلة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إلى أن استخدام العملات الافتراضية أيًا كان اسمها أو نوعها أو مصدرها يمثل خطورة كبيرة على مستخدميها، لافتة إلى أن عملة "الليبرا" التى سيطلقها الفيسبوك ستكون مصدر خطر على الجميع؛ لأن مستخدمى الفيسبوك هم ثلث سكان العالم ومعظمهم لا يجيدون التعامل بهذه العملات الافتراضية فى حياتهم اليومية.
وتابعت: "أنا لا أؤمن بالعملات الافتراضية ولست من أنصارها"، موضحة أن العملات النقدية ستظل كما هى فى مكانتها حتى لو نجحت العملات الافتراضية لأن العملات النقدية مصر آمنة والعملات الافتراضية غير آمنة لا يرتاح لها الكثير.
ويوضح على الحريرى، نائب رئيس شعبة الصرافة، أن العملات الافتراضية غير مضمونة والتعامل معها غير آمن، متسائلًا لا أعرف كيف يصدق البعض هذه العملات الافتراضية ويجيد التعامل معها؟
ويقول الحريرى إن العملات النقدية أفضل وأكثر اطمئنانًا فى التعاملات المالية أكثر من العملات الافتراضية وخاصة فى مصر، موضحًا أنه لابد من دراسة توضح كيفية التعامل بها ومميزاتها ومخاطرها؛ لأن معظم المستخدمين يفضلون التعامل بالعملات النقدية الملموسة.
ويكشف النائب مدحت الشريف، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، عن مخاطر إجرامية قد تحدث بسبب العملات الافتراضية إذا لم تكن من مصدر معلوم ومؤمّنة بشكل متكامل وتراعى محاذير البلاد المختلفة ومنها تمويل الجماعات الإرهابية وغسيل الأموال وعمليات النصب والسرقة وانتحال الشخصيات وغيرها.
ويقول إن عملة "الليبرا" حتى الآن لم يتم الإعلان عن تفاصيلها والمعلومات التى لدينا غير كافية ولذلك فإن المخاوف منها أكبر من مميزاتها، مشددًا على أنه لابد من إجراء دراسة تفصيلية تكشف عن عملة الليبرا وكيفية تدوالها عبر الفيسبوك والواتس آب وغيره من المنصات الالكترونية وتكون هناك رقابة قوية تمنع عمليات السرقة والنصب وتحمى بيانات الأشخاص المستخدمين.
وأكد الدكتور رضا لاشين، الخبير الاقتصادى ورئيس منتدى مصر للدراسات الاقتصادية، أن الفيسبوك أطلق عملة الليبرا الافتراضية لاقتحام أسواق العملات الافتراضية بعد أن تفادوا الأخطاء السابقة التى تمثلت فى العملات الافتراضية الأخرى التى كانت من أشهرها عملة "البيتكوين" فهى صورة صحيحة وقوية من العملات الافتراضية إذا تم إصدارها فى نظام آمن ومحكوم.
وأضاف أنه من الممكن أن تكون عملة ليبرا تمهيدًا لمساندة الدولار فى المستقبل؛ حيث إننا لا نعرف إذا كان الدولار سيستمر فى مكانته هذه بالمسقبل أم لا، لافتًا إلى أن الفيسبوك صناعة أمريكية والدولار أمريكى أيضًا وأصبح الدولار ينافس من قبل العملات النقدية الأخرى مثل الروبل الروسى والإيوان الصينى، وبهذا الشكل يطلق الفيسبوك عملة جديدة رقمية تغير أوضاع أسواق المال ويتم التعامل من خلالها بسهولة إلكترونيًا ويتجه العالم إليها.
بينما يضيف مدحت خليل، رئيس شركة راية القابضة للاستثمارات المالية، أن العملات الافتراضية لا تتضمن المعايير الدولية المعروفة الآمنة فهى غير معتمدة من البنوك المركزية، مشيرًا إلى أن عملة الليبرا تحمل خطورة كبيرة ومجاذفة لمن يرغب التعامل بها حتى إن كانت مصدرها هو الفيسبوك.