انتشرت فى الآونة الأخيرة آلاف من العملات الافتراضية المُشفرة، فى
ضوء القفزات السعرية الهائلة التى حققتها أشهر تلك العملات وهى «البيتكوين»، الأمر
الذى أحدث ضجة عالمية هائلة، ليس لارتفاعها من 7 سنتات إلى 20 ألف دولار قبل أن
تنهار لأقل من 7 آلاف دولار، ولكن لمجموعة أسباب انتفضت لأجلها حكومات العالم أجمع
ما بين مؤيد ومُعارض ومراقب.
وكانت أول الأسباب التى أكسبتها صفة «العملة» وارتعدت لها فرائص
النظم النقدية الإلزامية، هو قبولها كأداة للسداد والشراء دون أى سيادة مُلزمة،
وهو أحد أهم أركان الصفة الرئيسية للنقود أن تكون وسيطًا للتبادل، حيث كان أول
تعامل حقيقى عندما تم دفع 10 آلاف «بيتكوين» مقابل «بيتزا» على منتدى بيتكوين فى
فبراير 2010، وكان سعر «البيتزا» 25 دولارًا.
ثم توالت عمليات قبول تلك العملة فى ضوء تقديم الدعم الأمريكى ثم
الأوروبى باعتبارها أحد أهم جوانب البحث العلمى فى التكنولوجيا المالية، لتبدأ
عمليات قبولها تزداد لدى أكبر المتاجر مثل «أبل» فى 2013 ويتعدى سعرها ألف دولار،
ثم متجر «أوفر ستوك» فى 2014، وهكذا إلى أن أظهرت كل تلك المعاملات سببًا جديدًا
لشهرتها تميّزت به حتى عن العملات الورقية وهو «استحالة التزوير».
وبذلك منحتها ميزة «استحالة التزوير» قوة ضاربة فى مواجهة كافة
العملات الورقية، الأمر الذى يعتمد فى الأساس على التكنولوجيا التى قامت عليها تلك
العملة الافتراضية المُشفرة وهى تكنولوجيا آلية «بلوك تشين» التى أكد الجميع أنها
الدافع الرئيسى لشهرة ونجاح العملات المشفرة، كما أن تلك الآلية المستحدثة يمكن
تطويرها واستخدامها لنقل ملكية كل ما يمكن امتلاكه لضمان السرعة وعدم الاحتيال.
وبعد قبولها فى الشراء وعدم إمكانية تزويرها، يأتى السبب الثالث
لشهرة تلك العملات وهو «اللامركزية»، حيث السرية التامة لعمليات التداول وعدم وجود
وسيط ولا سلطة مركزية، وهو ما يراه البعض عاملًا من عوامل النجاح بينما يراه آخرون
بمثابة الطامة التى ستقضى على تلك العملات الافتراضية بعد التسبب فى مشاكل
اقتصادية وسياسية خطيرة.
فأما المؤيد
لنظرية اللامركزية يريد الخلاص من هيمنة العامل البشرى غير المأمون، بينما الفريق
المعارض يرى استحالة الاستغناء عن الجهات المصدرة المنظمة والمراقبة لحماية
الاقتصاد من غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلًا عن بديهيات المبادئ الاقتصادية
التى تؤكد ضرورة وجود اقتصاد حقيقى وغطاء نقدى يعكس قيمة أى عملة.
ومع ضغوط البديهيات الاقتصادية التى أوشكت أن تضعف موقف «العملات
الافتراضية» كعملة بالمفهوم المتعارف، جاءت عملية تداول تلك العملات فى البورصات
العالمية والبورصات الآجلة لتخلق لها طلبًا جديدًا، كأداة استثمارية واسعة
الانتشار لتبلغ القيمة السوقية لعملة «البيتكوين» وحدها أكثر من 141 مليار دولار
فى يناير 2017 بما يعادل 3.5٪ من إجمالى النقد المتداول فى العالم.
ولم يتوقف الأمر عند ارتفاع نسبة تلك العملات داخل الاقتصاد العالمى،
ولكنها استطاعت النفاذ إلى كافة اقتصادات العالم دون أى ترحيب أو مواجهة فعلية،
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد وإنما استطاعت تلك العملات الافتراضية المشفرة
اجتذاب استثمارات بمليارات الدولارات من أجل خدمة أنظمتها التكنولوجية فيما يسمى
بعمليات التنقيب أو التعدين.
وحصلت عمليات خدمة البنية التكنولوجية لتلك العملات على مصطلح
«التعدين» لكون القائمين عليها يخدمونها من أجل الحصول على إصدارات جديدة من تلك
العملة، حيث يقوم المُعدّنين بفك الشفرات ومراجعة العمليات وتسجيلها لإكمال
المنظومة الضامنة لسرعة التداول والمراجعة دون تزوير.
ومؤخرًا شهدت تلك العملات تذبذبات عنيفة فى أسعارها بما يتعارض مع
أبجديات النظم الاقتصادية، حيث وجوب توافر الاستقرار النسبى لأى عملة لكى تصلح
للقيام بوظيفتها كمخزن للقيمة، وبالتالى فإن كانت العملات الافتراضية قد تفوّقت
على العملات الورقية فى كونها وسيط آمن وسريع للتبادل فإنها قد أخفقت فى أن تكون
مخزنًا للقيمة، وهو الأمر الخاضع للمتابعة والتحليل إلى أن تُبادر أحد البنوك
المركزية بتبنى تلك التكنولوجيات وتصدر عملتها المشفرة الخاصة بها.
وفقًا لموقع «كوين ماركت كاب»، فإن إجمالى القيمة السوقية للعملات
الافتراضية المشفرة بلغت 298.4 مليار دولار، لأكثر من 1514عملة مُشفرة متداولة ما
بين «كوينز» و«توكينز» من خلال أكثر من 4800 سوق للعملات المشفرة، وتحتل البيتكوين
الصدارة بنسبة 5٪ من إجمالى العملات المتداولة ويليها «إثيريوم» ثم «ريبل»، ويمكن
لأى مُبرمج أن ينشئ عملة مشفرة فى أى وقت، ولكنه لا يستطيع بسهولة أن يُكسبها
قابلية التدول والشراء.
«البيتكوين» عملة
إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائى لها. وهى أول
عملة رقمية لامركزية - فهى نظام يعمل دون مستودع مركزى أو مدير واحد، أى أنها
تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها. وتتم
المعاملات بشبكة الند للند بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام
التشفير. يتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عُقد الشبكة وتسجيلها فى دفتر
حسابات موزع وعام يسمى سلسلة الكتل. اخترع البيتكوين شخص غير معروف أو مجموعة من
الناس عرف باسم ساتوشى ناكاموتو وأُصدِر كبرنامج مفتوح المصدر فى عام 2009.
يتم إنشاء البيتكوين كمكافأة لعملية تعرف باسم التعدين، ويمكن
استبدالها بعملات ومنتجات وخدمات أخرى، واعتبارا من فبراير 2015، فقد اعتمد أكثر
من 100,000 تاجر وبائع البيتكوين كعملة للدفع، وتشير تقديرات البحوث التى تنتجها
جامعة كامبريدج إلى أنه فى عام 2017، هناك مابين 2.9 إلى 5.8 مليون مستخدم يستعمل
محفظة لعملة رقمية، ومعظمهم يستخدمون البيتكوين.
صدرت Litecoin على «غيت هاب» يوم 7 أكتوبر 2011، وذلك على يد مطورها تشارلى لى (Charlie Lee)، الموظف السابق لدى شركة
جوجل، ودخلت شبكة Litecoin حيز العمل الحى فى 13 أكتوبر 2011 بالانشقاق عن عميل بيتكوين
الأساسى، ولكنها تتميز عن بيتكوين فى المقام الأول بانخفاض زمن توليد الكتلة
الواحدة إلى 2.5 دقيقة فقط، علاوة على زيادة الحد الأقصى لإجمالى عدد العملات
المتاحة بمقدار أربع مرات باستخدام خوارزمية التجزئة (scrypt بديلاً عن SHA-256) وواجهة المستخدم الرسومية المعدلة بعض
الشىء.
البيتكوين كاش هى عملة رقمية مشفرة مشتقة ومتفرعة من عملة البيتكوين
الكلاسيكية، تم إنشاؤها فى أغسطس 2017، تقوم فكرة البيتكوين كاش على زيادة حجم كتل
السلسلة (block chain)،
مما يسمح بزيادة عدد المعاملات والتبادلات التى يتم معالجتها فى زمن معين.
الإيثريوم هى ثانى أكبر العملات من حيث القيمة السوقية بعد البيتكوين
وتبلغ قيمتها السوقية نحو 59.9 مليار دولار فى فبراير 2017، كما أن لها منصة عامة
مفتوحة المصدر معتمدة على سلسلة الكتل «بلوك تشين».
الريبل هى ثالث العملات من حيث القيمة السوقية، حيث تبلغ قيمتها
السوقية نحو 24.6 مليار دولار فى فبراير 2017، وهى تعتمد أيضًا على آلية «البلوك
تشين»، وقد ازدهرت وراجت بشكل كبير فى عام 2017، رغم أن العمل على التقنية الخاصة
بها بدأ منذ عام 2004.