تترقب الأسواق العالمية اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اليوم، وسط توقعات بخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو القرار الذي سيكون الأول خلال العام الجاري، ومن شأنه أن يؤثر مباشرة على حركة رؤوس الأموال وأسعار الأصول، بما في ذلك العملات والأسواق الناشئة، وتتركز أنظار المستثمرين أيضًا على المؤشرات الاقتصادية الأمريكية والتوجهات المستقبلية للفيدرالي، التي تواجه ضغوطًا سياسية لدفع المجلس نحو المزيد من التخفيضات.
وتعكس السياسات المتوقعة للفيدرالي أثرًا مزدوجًا على الأسواق الناشئة، إذ يمكن أن توفر خفض الفائدة على الدولار فرصة لتدفق الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، خاصة في أدوات الدين الحكومية، بينما يمثل تثبيت الفائدة أو ارتفاعها ضغطًا على هذه الأسواق ويزيد من تكلفة الاقتراض الخارجي ويؤثر على استقرار أسعار الصرف، وفي هذا السياق، تقدم بعض الأسواق الناشئة، مثل مصر، مثالًا على كيفية جذب الاستثمارات الأجنبية رغم خفض أسعار الفائدة المحلية، بفضل العائد الحقيقي المرتفع على العملة المحلية مقارنة بالدولار.
كما يشكل اجتماع اليوم خصوصية إضافية مع دخول أعضاء جدد في مجلس المحافظين، ما يعزز التوازن بين التوجه نحو التثبيت والتخفيض، ويجعل الأسواق في حالة ترقب لتأثير هذه القرارات على الذهب والأسواق المالية عالميًا، ويأتي هذا في ظل تحديات تضخمية محلية وعالمية، تستدعي من الحكومات والبنوك المركزية تبني سياسات مرنة لاستغلال الفرص الاستثمارية وتقليل المخاطر المحتملة على الأسواق المحلية والاقتصاد الوطني.
الفيدرالي الأمريكي تحت ضغوط ترامب بسبب الفائدة
أكد خبراء مصرفيون أن الفيدرالي سيعالج هذه الضغوط عبر خطاب يركز على تهدئة الأسواق دون الإفصاح عن توجهات حاسمة، خاصة في ظل غياب الدعم الكافي من البيانات الاقتصادية الحالية لمزيد من التيسير النقدي، مشيرين إلى أن المجلس من المرجح أن يظل متمسكًا برؤية اقتصادية بحتة، دون مراعاة عجز الموازنة أو توسع إنفاق الحكومة الأمريكية.
وفيما يخص تأثير هذه السياسات على الدول الناشئة، أشار الخبراء إلى أن خفض الفائدة على الدولار الأمريكي مع ثبات أو ارتفاع أسعار الفائدة في هذه الدول يمثل ميزة لها، إذ يعزز تدفق الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، خاصة في أدوات الدين الحكومية.
وقال الخبير المصرفي محمد عبد العال لـ "العقارية"، إن أهمية الاجتماع تكمن في انعكاس قراراته المباشر على حركة رؤوس الأموال الدولية، ومسارات أسعار الأصول المختلفة، بما فيها العملات والأسواق الناشئة.
وأضاف أن اجتماع المجلس سيتركز حول محورين رئيسيين، الأول هو خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو الأمر الذي انعكست آثاره على الأسواق منذ شهر تقريبًا، بينما يتمثل المحور الثاني في التوجهات المستقبلية لسعر الفائدة، والتي تواجه ضغوطًا سياسية واضحة من الرئيس الأمريكي ترامب لدفع المجلس نحو المزيد من التخفيض.
الخبير المصرفي محمد عبد العال
وأوضح عبد العال، أن الفيدرالي سيعالج هذه الضغوط عبر خطاب يركز على تهدئة الأسواق دون الإفصاح عن توجهات حاسمة، خصوصًا في ظل غياب الدعم الكافي من البيانات الاقتصادية الحالية لمزيد من التيسير النقدي.
رؤية اقتصادية بحتة
أشار إلى أنه لا يتوقع أن يقدم المجلس على خفض إضافي في الفائدة بالوقت الراهن، مؤكدًا أن الفيدرالي ما زال متمسكًا برؤية اقتصادية بحتة دون النظر إلى عجز الموازنة أو توسع إنفاق الحكومة الأمريكية.
وحول تأثير هذه التوجهات على الدول الناشئة، أكد عبد العال أن خفض الفائدة على الدولار الأمريكي مع ثبات أو ارتفاع أسعار الفائدة في تلك الدول يمثل ميزة لها، حيث يعزز من تدفق الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة خاصة في أدوات الدين الحكومية.
خفض أسعار الفائدة
لفت الخبير المصرفي، إلى أن مصر كانت خير مثال على ذلك خلال الفترة الماضية، إذ رغم خفض أسعار الفائدة محليًا بمقدار 525 نقطة أساس منذ أبريل الماضي وحتى الآن، استمرت التدفقات الاستثمارية الأجنبية في الزيادة، نظرًا لأن العائد الحقيقي على الجنيه المصري ما زال مرتفعًا مقارنة بالدولار الأمريكي، ويتراوح بين 10 – 11%.
وأضاف أن هذا التفوق يجعل مصر في موقع أفضل مقارنة بدول مثل تركيا، إذ ما زال الجنيه المصري يقدم أعلى عائد حقيقي في الأسواق الناشئة، وهو ما يجذب المستثمر الأجنبي رغم المخاطر السياسية والجيوسياسية في المنطقة.
وأكد أن المستثمر الأجنبي ينظر دومًا إلى معادلة "العائد مقابل المخاطرة"، وبالنسبة لمصر فإن العائد الكبير يقلل من المخاطر، لافتًا إلى أن السوق المحلي يتمتع بآليات استثمارية قوية تشمل البورصة وأدوات الدين العام، بالإضافة إلى مرونة سعر الصرف.
وأعرب عبد العال عن توقعه باستمرار استقرار الجنيه المصري عند مستوياته الحالية بين 48 و49 جنيهًا للدولار حتى نهاية العام، مع استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبي غير المباشر، إلى جانب مصادر النقد الأجنبي التقليدية الأخرى باستثناء قناة السويس التي قد تشهد تراجعًا نسبيًا.
اجتماع الفيدرالي اليوم يحسم الجدل بين التثبيت والتخفيض
من جانبه، قال الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الفيدرالي الأمريكي يتجه في اجتماعه السادس خلال عام 2025 إلى خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل إلى نحو 4% على الودائع و4.25% على الاقتراض، مشيرًا إلى أن هذا القرار "حال حدوثه" سيكون الخفض الأول خلال العام الجاري.
وأضاف أن الفيدرالي كان قد خفّض سعر الفائدة العام الماضي بنسبة 1% على ثلاث مراحل، ليستقر عند مستويات تتراوح بين 4.25% و4.5%، مؤكدًا أن أي قرار جديد من المجلس سيكون له أثر مباشر على مختلف الأسواق العالمية، باعتبار الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي، والدولار هو العملة الرئيسية في التجارة الدولية.
الدكتور عبد المنعم السيد
وأوضح السيد، أن الاجتماع ينعقد في ظل ضغوط تضخمية متزايدة بالسوق الأمريكي، حيث ارتفع معدل التضخم إلى 2.9% في أغسطس الماضي مقابل 2.7% في يوليو، نتيجة صعود أسعار بعض السلع والخدمات بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
انقسام داخل الفيدرالي الإمريكي
أشار إلى أن هذه التطورات خلقت انقسامًا داخل الفيدرالي، فهناك فريق يتمسك بسياسة التثبيت لمواجهة التضخم، بينما يضغط ترامب من أجل خفض الفائدة لدعم النمو الاقتصادي.
وأكد أن اجتماع اليوم يكتسب خصوصية إضافية بوجود عضوين جديدين في مجلس المحافظين؛ هما "ستيفن ميران" الذي أدى القسم كمحافظ قبل ساعات من الاجتماع، و "ليزا كوك" التي حصلت على حكم قضائي من محكمة الاستئناف يضمن حضورها، واعتبر أن دخول هذين العضوين يفتح الباب أمام وجود جبهتين متقابلتين داخل الاجتماع، الأولى تميل إلى التثبيت والثانية تدفع نحو التخفيض.
يعزز توجه المستثمرين نحو الذهب
أعرب السيد، عن اعتقاده بأن الكفة سترجح نحو الخفض هذه المرة، مشيرًا إلى أن قرارًا كهذا ستكون له انعكاسات واسعة على البنوك المركزية حول العالم، خصوصًا في دول الخليج والاتحاد الأوروبي وأستراليا، التي قد تحذو حذو الفيدرالي في توجهاته.
وأضاف الدكتور عبد المنعم السيد، أن أي خفض مرتقب سيعزز توجه المستثمرين نحو الذهب كملاذ آمن، وهو ما قد يرفع سعر الأونصة التي تجاوزت بالفعل مستوى 3668 دولارًا، كما سيؤدي القرار إلى تراجع الدولار عالميًا وزيادة تدفقات الاستثمارات غير المباشرة نحو الأسواق الناشئة ومن بينها مصر، التي جذبت نحو 40 مليار دولار في صورة استثمارات بأذون وسندات الخزانة والبورصة، أما في حال تثبيت أسعار الفائدة فإن الأوضاع ستظل على حالها دون تغييرات جوهرية في الأسواق.
انعكاس قرار الفيدرالي على الأسواق العالمية
في سياق متصل، أكد الدكتور عز الدين حسنين الخبير الاقتصادي، أن الأنظار تتجه حاليا إلى اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والذي تنعكس قراراته على الأسواق العالمية ومنها السوق المصري، لافتا إلى أن السوق المصري سيشهد تأثيرات مزدوجة لهذا القرار، تتراوح بين الضغوط المالية قصيرة الأجل والفرص الاستثمارية طويلة المدى.
وأضاف حسنين خلال تصريحات لـ "العقارية"، أن قرار الفيدرالي الأمريكي بالحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة سيمثل استمرارا لسياسة التشديد النقدي، ما يدفع رؤوس الأموال الأجنبية إلى البقاء في أدوات الدين الأمريكية بسبب ارتفاع العائد وانخفاض مستوى المخاطرة، لافتا إلى أن هذا بدوره يشكل ضغطا على الأسواق الناشئة، ومنها مصر.
الدكتور عز الدين حسنين الخبير الاقتصادي
وأشار، إلى أن استمرار هذه السياسة يزيد من تكلفة الاقتراض الخارجي بالنسبة للحكومة المصرية والشركات الكبرى، ويؤثر على شهية المستثمرين الأجانب في أدوات الدين المحلي، ما قد يؤدي إلى تقلبات في سعر الصرف وارتفاع فاتورة خدمة الدين العام.
فرص الاقتصاد المصري
أفاد حسنين، أن الفرصة لا تزال قائمة أمام الاقتصاد المصري إذا تم استغلال الوضع الحالي بشكل ذكي، موضحا أنه على الرغم من هذه التحديات، يمكن لمصر أن تستفيد من الوضع العالمي في حال ركزت على جذب استثمارات مباشرة حقيقية بدلاً من الاعتماد على الأموال الساخنة، وواصلت تنفيذ الإصلاحات الهيكلية في بيئة الأعمال.
وحذر الخبير الاقتصادي من الانعكاسات التضخمية غير المباشرة للقرار الأمريكي، موضحا أن استمرار ارتفاع الدولار عالميا قد يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة، مما يعمق الضغوط التضخمية المحلية، ما يتطلب تنسيقا محكما بين السياسات النقدية والمالية.
وأكد حسنين، على ضرورة أن تقوم الحكومة المصرية والبنك المركزي باتباع سياسات مرنة واستباقية لمواجهة أي تدفقات عكسية في الاستثمارات الأجنبية، داعيا إلى التركيز على دعم الإنتاج المحلي والصادرات كحل استراتيجي مستدام.