في خطوة توصف بـ"الجريئة والمحفوفة بالمخاطر"، تستعد الحكومة السورية لحذف صفرين من عملتها الوطنية، في محاولة لتبسيط التعاملات النقدية وضبط السوق المنفلت منذ أكثر من عقد.
القرار الذي ينتظر التنفيذ الرسمي، يعيد إلى الأذهان تجارب عالمية متباينة، من نجاح أنقرة في كبح التضخم عبر إصلاحات متكاملة، إلى كارثة زيمبابوي وفنزويلا، حيث تحوّلت العملية إلى مجرد رقم جديد على ورق بلا قيمة.
لماذا تحذف سوريا صفرين من عملتها؟
قال الدكتور مصطفى نورالله، الخبير الاقتصادي ومدير مشروع الخدمات المصرفية والمالية الرقمية بجامعة ميد السويدية، إن الليرة فقدت أكثر من 90% من قيمتها منذ 2011، ما جعل المواطن السوري يتعامل مع أرقام فلكية لتلبية احتياجاته اليومية.
وأضاف: "التسوق أصبح أشبه بحمل حقيبة مليئة بالأوراق النقدية، وهو ما خلق تحديات حقيقية في المحاسبة اليومية وأثقل كاهل الاقتصاد السوري".
ويؤكد نورالله أن توقيت القرار ليس صدفة، بل يأتي بعد لقاءات رسمية مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويمثل محاولة لـ"إعادة هيكلة المشهد الاقتصادي بعد تغييرات سياسية واضحة المعالم".
تركيا وزيمبابوي أم تجربة سورية فريدة؟
يرى الدكتور جلال قناص، الأستاذ المساعد بجامعة قطر، أن حذف الأصفار بحد ذاته ليس حلًا، بل إجراء تقني لا ينجح إلا إذا تزامن مع إصلاحات اقتصادية حقيقية.
ويشرح قناص، أن تركيا نجحت في 2005 لأنها أحاطت قرارها بسلسلة من السياسات المالية الجادة، على عكس زيمبابوي وفنزويلا اللتين كررتا نفس الخطأ دون إصلاح جذري، لتعود الأصفار سريعًا ويزيد فقدان الثقة بالعملة.
التحديات أكبر من الأصفار في سوريا
بحسب نورالله، فإن التحدي الأكبر ليس حذف الأصفار، بل ضبط التضخم، ضبط السيولة، وتوحيد العملة على كامل الجغرافيا السورية، وهو ما يبدو معقدًا في ظل الوضع الأمني والسياسي الحالي.
كما يحذر من مخاطر غسل الأموال وتهريب السيولة، خاصة مع ضعف البنية المصرفية والرقابية في البلاد، وهو ما قد يعقّد تنفيذ العملية ويؤدي إلى نتائج عكسية.
ويضيف قناص: "الخطوة قد تفشل بالكامل إذا لم تسبقها خطة لطمأنة المواطن وتحقيق استقرار حقيقي في سعر الصرف".
خطوة مقلقة.. لكن ليست بلا فوائد
رغم التحديات، يرى الخبراء أن لحذف الأصفار فوائد محتملة، أبرزها تسهيل التعاملات اليومية، وإعادة تنظيم النظام المحاسبي والمصرفي، وتحسين قدرة المصرف المركزي على تتبع الكتلة النقدية الفعلية.
لكن ذلك لن يتحقق دون تحديث شامل للبنية المصرفية، وتوفير مراكز استبدال رسمية، والتعامل بحذر مع أصحاب المدخرات الصغيرة.
كيف تنجح دمشق في كسب ثقة السوريين؟
قال الدكتور جلال قناص، يجب على دمشق كسب ثقة السوريين، ولكي تنجح الحكومة عليها تطبيق التالي:
التواصل بشفافية مع المواطن.
إصلاح الاقتصاد الحقيقي لا تجميل الأرقام.
ضبط سعر الصرف.
حماية أصحاب الدخل المحدود.
تحديث الأنظمة المصرفية والتقنية.
واختتم قناص: "حذف الأصفار قد يكون ضروريًا، لكنه لا يغير الواقع الاقتصادي والتحدي الحقيقي هو في جوهر الاقتصاد، وليس شكله فقط".