ترى تركيا أن مشروع ممر جنوب القوقاز، المزمع افتتاحه عقب اتفاقية السلام التي رعتها الولايات المتحدة بين أرمينيا وأذربيجان هذا الشهر، قد يشكل نقطة تحول استراتيجية في حركة التجارة بين الصين وأوروبا، شريطة ألا تفرض واشنطن قيوداً على استخدامه.
وقال وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو، إن طريق ترمب للسلام والازدهار الدولي (TRIPP) – الذي يربط أذربيجان البرية بمنطقة نخجوان الواقعة على الحدود التركية عبر الأراضي الأرمينية – سيجعل خط الشرق-الغرب من بكين إلى لندن يعمل بكفاءة أكبر، مشيرًا إلى أن كيفية إدارة الممر ستحدد مدى اعتماده من قبل كبار المصدرين مثل الصين.
مشروع ممر جنوب القوقاز
تضمن إعلان السلام الذي وُقع في واشنطن في 8 أغسطس، بحضور رئيسي وزراء أرمينيا وأذربيجان وبرعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منح الولايات المتحدة حقوق تطوير حصرية للممر، المعروف أيضاً بـ ممر زنجزور.
بحسب محللين، قد تتيح هذه السيطرة لواشنطن تعزيز نفوذها في القوقاز على حساب كل من روسيا وإيران، وتدفع أرمينيا وأذربيجان نحو الغرب.
ورحبت الولايات المتحدة بالاتفاق باعتباره نجاحاً دبلوماسياً جديداً لها، فيما عبّرت إيران عن قلقها من الهيمنة الأمريكية على الممر القريب من حدودها الشمالية.
وأدان مساعد بارز للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الاتفاق، محذراً من تهديد مصالح طهران في المنطقة.
أما روسيا، التي لطالما لعبت دور الوسيط في نزاعات القوقاز، فتُنظر إليها باعتبارها الطرف الأكثر خسارة جراء الاتفاق.
وظلّت أرمينيا وأذربيجان، الجمهوريتان السابقتان في الاتحاد السوفيتي، على خلاف دموي لعقود بسبب إقليم ناجورنو قره باج، الذي تسكنه غالبية أرمنية داخل أراضي أذربيجان.
وأسفرت الحروب المتعاقبة عن مقتل أكثر من 30 ألف شخص في أوائل التسعينيات، إضافة إلى ستة آلاف قتيل على الأقل خلال حرب 2020 التي استمرت 44 يوماً.
مشاريع تركية موازية
بالتوازي مع الاتفاق، تتحرك أنقرة لتطوير البنية التحتية الداعمة للممر، فمن المقرر أن تبدأ، الجمعة، أعمال بناء خط سكك حديدية بطول 224 كيلومتراً يربط نخجوان بمدينة قارص شرق تركيا، بتمويل خارجي يصل إلى 2.4 مليار يورو (2.8 مليار دولار).
وأوضح الوزير أورال أوغلو أن المشروع، المقرر اكتماله بحلول عام 2029، سيتيح نقل 15 مليون مسافر ومليوني طن من البضائع سنوياً، مشدداً على أنه سيعزز شبكات الإمداد واللوجستيات في أوراسيا ويضع تركيا في قلب التعاون الإقليمي.
إعادة تطبيع العلاقات التجارية بين أنقرة ويريفان
تشير تقديرات محللين إلى أن إعادة تطبيع العلاقات التجارية بين أنقرة ويريفان، وفتح الحدود المغلقة منذ عام 1993، قد ترفع صادرات تركيا بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، أي ما يعادل 1% من إجمالي الصادرات، وفق دراسة لـ"بلومبرج إيكونوميكس".
كما أن تنفيذ مشروع (TRIPP) ومشاريع السكك الحديدية الإقليمية المكملة قد يضيف مليار دولار إضافي للصادرات التركية سنوياً.
طريق حديث على خطى الحرير القديم
تحاول تركيا استعادة مكانتها التاريخية على طريق الحرير القديم، عبر تحويل أراضيها إلى مركز عبور استراتيجي في ظل تنافس عالمي متصاعد بين الولايات المتحدة والصين على ممرات التجارة عبر القوقاز والشرق الأوسط، وتخطط أنقرة لتوسيع شبكة سككها الحديدية بنحو 1200 كيلومتر، رغم أن ثلث المشروع فقط دخل حيز التنفيذ حتى الآن.
ويُتوقع أن يمهد الاتفاق لخطوات عملية نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وأرمينيا، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في تحول قد يفتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادي في منطقة عانت لعقود من النزاعات والحروب.