في ظل سعي الدولة لتعظيم مواردها الدولارية، يبرز قطاع السياحة كأحد أكثر القطاعات الواعدة جذبًا للعملة الصعبة، مدفوعًا بانتعاش غير مسبوق في حركة السفر العالمية وتحسن مؤشرات السياحة الوافدة إلى مصر، وبين عوائد فعلية تجاوزت 12.5 مليار دولار خلال تسعة أشهر، ومستهدفات تبلغ 18.3 مليار دولار بنهاية العام الجاري، تُراهن الحكومة على أن يكون القطاع السياحي صمام أمان جديد للاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة.
وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، حقق قطاع السياحة إيرادات بلغت 12.5 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2024 وحتى نهاية مارس 2025، مقارنةٍ بـ 10.8 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام السابق، بنسبة نمو قاربت 15.4 %، هذا النمو يعكس تعافيًا واسع النطاق، مدفوعًا بعدة عوامل منها تنويع المقاصد والاستقرار الأمني وفتح أسواق جديدة.
في المقابل، تستهدف وزارة السياحة والآثار بالتنسيق مع الجهات المعنية، تحقيق عوائد تصل إلى 18.3 مليار دولار بنهاية عام 2025، بما يدعم الاحتياطي النقدي ويساهم في ضبط سوق الصرف.
على الجانب الآخر، تكثف مصر جهودها الدولية من خلال حملات ترويجية ذكية ومبادرات مدروسة في عدد من العواصم الأوروبية والخليجية لجذب السياح من أصحاب الإنفاق المرتفع، حيث تم إطلاق حملات في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا، كما يتم التعاون مع شركات عالمية لتنظيم عروض خاصة للمصريين بالخارج بهدف تحفيزهم لقضاء عطلاتهم في مصر بما يضخ سيولة دولارية مباشرة.
كما تم الإعلان عن برنامج موجّه للجاليات المصرية في أوروبا وأمريكا الشمالية، يتضمن خصومات على الفنادق وتسهيلات في الطيران، لتعظيم العائد من تلك الفئة المهمة.
تشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد الليالي السياحية تجاوز حاجز 120 مليون ليلة في 2024، مع استهداف الوصول إلى 135 مليون ليلة في 2025، ومتوسط إنفاق السائح على الليلة الواحدة بلغ نحو 104 دولارات، بزيادة عن العام الماضي الذي سجل متوسط 92 دولارًا.
وتُولي وزارة السياحة اهتمامًا متزايدًا بتحسين جودة المنتج السياحي، بما يرفع سعر الليلة في الفنادق الفاخرة إلى ما يتجاوز 250 دولارًا في بعض المناطق، لا سيما في مرسى علم والجونة وسهل حشيش والمشروعات الفندقية الجديدة في الساحل الشمالي والبحر الأحمر.
ومن حيث التوزيع الجغرافي لعوائد السياحة، استحوذت مدن البحر الأحمر (الغردقة، مرسى علم، سهل حشيش، الجونة) على النصيب الأكبر بنسبة قاربت 45 % من إجمالي الإيرادات، ومن ثم جنوب سيناء (شرم الشيخ ودهب وطابا) بنسبة 30 %، ثم المقاصد الثقافية في الأقصر وأسوان والقاهرة القديمة بحوالي 15 %، بينما توزعت النسبة المتبقية على الساحل الشمالي وسياحة السفاري.
ويرجع تصدر «الغردقة وشرم الشيخ» إلى زيادة أعداد الرحلات المباشرة من أوروبا الشرقية والغربية، فضلًا عن التوسع في خدمات المنتجعات والأنشطة الترفيهية والبحرية.
وفي سياق متصل، تُخطط مصر لزيادة الطاقة الاستيعابية الفندقية عبر إضافة غرف فنددقية جديدة بحلول 2028، تشمل مشروعات ضخمة مع مطورين عالميين بما يتماشى مع رؤية الدولة للوصول إلى 30 مليون سائح سنويًا قبل 2030، وتحقيق إيرادات تتجاوز 30 مليار دولار سنويًا.
كما يتم العمل على رقمنة تجربة السائح، من الحجز وحتى المغادرة وتفعيل بوابات إلكترونية للتأشيرة السياحية وتوسيع نطاق تطبيقات الهاتف لخدمات النقل، والدفع الإلكتروني، والمعلومات الأثرية.
في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري ضغطًا على موارد النقد الأجنبي، تبرز السياحة ليس فقط كأداة دعم مالي بل كقاطرة تنموية شاملة تفتح آفاقًا جديدة للتشغيل والاستثمار وإذا استمر الأداء بنفس المعدلات الراهنة، فإن مصر بصدد تحقيق واحدة من أعلى نسب النمو السياحي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتبقى السياحة بحق عنوانًا للأمل في معادلة الاستقرار الاقتصادي والانتعاش الدولاري.