كشفت وثائق حكومية داخلية، حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استخدمت الرسوم الجمركية ليس فقط كأداة اقتصادية، بل كسلاح سياسي ودبلوماسي لتحقيق أهداف تتجاوز بكثير تقليص العجز التجاري.
تُظهر الوثائق أن الرسوم استُخدمت لتأمين مصالح أمن قومي، ولفرض مطالب على حلفاء وشركاء تجاريين، بل وللدفع نحو تقديم امتيازات لشركات أمريكية بعينها.
مناخ تجاري مشروط بمطالب أمنية
أحد الأمثلة على هذا التداخل، وفق الوثائق، هو سعي وزارة الخارجية الأميركية لربط المفاوضات التجارية بقضايا بيئية وأمنية، حيث طلب مسؤولون أميركيون من دول شريكة، مثل سنغافورة، معارضة مبادرة دولية تهدف لتقليل انبعاثات الكربون من السفن، بذريعة التأثير على التجارة العالمية.
كما بحثت الإدارة توسيع المفاوضات التجارية مع أكثر من 12 دولة، شملت مطالب مثل:
مطالبة إسرائيل بإنهاء سيطرة شركة صينية على ميناء حيفا.
دعوة كوريا الجنوبية لدعم الوجود العسكري الأميركي علنًا.
الضغط على دول مجاورة للصين لتوثيق التعاون الدفاعي مع واشنطن.
تجاوز أهداف التجارة إلى الاستراتيجيات العسكرية
تشير الوثائق إلى أن ترامب لم يكن يهدف فقط لتقليص العجز التجاري، بل استخدم المفاوضات التجارية لتوسيع النفوذ الأميركي العسكري. تضمنت الخطط:
دعوة دول آسيوية لشراء معدات عسكرية أميركية.
إجراء زيارات بحرية للأساطيل في موانئ أجنبية.
تعزيز الإنفاق الدفاعي لدول مثل تايوان والهند وإندونيسيا.
وتقول ويندي كاتلر، المسؤولة السابقة في مكتب الممثل التجاري الأميركي، إن "هذا النوع من المطالب غير معتاد تمامًا في اتفاقات التجارة".
تهديدات علنية لتعزيز المصالح الأمريكية
أظهرت الوثائق أيضًا استخدام ترامب للتهديد العلني بالرسوم كوسيلة ضغط على الدول:
الهند: تهديد برسوم 50% للضغط على نيودلهي لوقف شراء النفط الروسي.
كولومبيا: تهديد بالرسوم في حال عدم استقبال المهاجرين المرحّلين.
البرازيل: تهديد برسوم 50% في حال استمرار محاكمة بولسونارو.
قائمة واسعة من المطالب في قارات مختلفة
امتدت مطالب الإدارة الأميركية إلى قضايا مختلفة في مناطق متعددة:
في جنوب شرق آسيا: هددت كمبوديا برسوم بنسبة 49% ما لم تسمح للبحرية الأميركية باستخدام قاعدة "ريام" البحرية.
في أستراليا: رغبت واشنطن بإعادة النظر في عقد ميناء داروين مع شركة صينية.
في إفريقيا: دُفعت دول مثل مدغشقر وموريشيوس والأرجنتين لتقليص التعاون مع الصين في مجالات عسكرية وفضائية واتصالات.
دعم مباشر لشركات أمريكية
لم تقتصر الضغوط على الملفات الأمنية، بل شملت مصالح شركات خاصة مثل:
شركة الطاقة الأميركية الناشئة في ليسوتو التي طلبت إعفاءً ضريبيًا لخمس سنوات.
تسهيلات تنظيمية لشركة ستارلينك التابعة لإيلون ماسك.
دعم لشركات مثل شيفرون في صفقات تجارية.
وزارة الخارجية ترد
ورغم تسريبات الوثائق، اكتفت وزارة الخارجية الأميركية بالرد عبر بيان مقتضب قالت فيه: "لا نعلّق على وثائق يُزعم تسريبها، لكننا نتطلع إلى القصة حول كيفية استخدام إدارة ترامب للمفاوضات التجارية لصالح الشعب الأمريكي".
مفاوضات تجارية أم سياسة خارجية مقنّعة؟
توضح هذه الوثائق كيف تحوّلت التجارة، في عهد ترامب، من ملف اقتصادي بحت إلى منصة لتنفيذ أجندة سياسية واستراتيجية موسعة. وبينما يرى البعض في هذه المقاربة استخدامًا "ذكيًا" للقوة الاقتصادية، يحذّر آخرون من أن تسييس التجارة يهدد نزاهة النظام التجاري العالمي ويفتح الباب لابتزاز اقتصادي في العلاقات الدولية.