صوّت مجلس النواب الأمريكي – الذي يهيمن عليه الجمهوريون – بأغلبية 216 صوتًا مقابل 213، لصالح مشروع قانون يهدف إلى تقليص الإنفاق بمقدار 9 مليارات دولار، محيلًا التشريع إلى الرئيس دونالد ترامب للتوقيع النهائي. ويأتي القرار عقب تصويت مجلس الشيوخ، الذي أقر المشروع بأغلبية ضئيلة بلغت 51 مقابل 48، ما يعكس الانقسام الحاد حول توجهات الإنفاق الاتحادي.
الإعلام العام والمساعدات الخارجية تحت مقصلة التخفيضات
تضمنت الحزمة خفضًا بقيمة 1.1 مليار دولار من ميزانية مؤسسة البث العام، المسؤولة عن تمويل إذاعتي NPR وPBS، إضافة إلى اقتطاع 8 مليارات دولار من برامج المساعدات الخارجية، منها تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وبرامج الصحة العالمية، ودعم اللاجئين. وفي المقابل، استُثني برنامج "بيبفار" المخصص لمكافحة الإيدز من التخفيضات، بعد ضغوط سياسية خلال المفاوضات.
انقسام حزبي وتضارب داخل الجمهوريين أنفسهم
رغم دعم الأغلبية الجمهورية، صوت عضوان من الحزب ضد مشروع القانون، هما النائبان مايك تيرنر من أوهايو وبريان فيتزباتريك من بنسلفانيا، في مشهد يعكس حجم الانقسام الداخلي. في المقابل، اتحد الديمقراطيون في رفض المشروع، واعتبروه محاولة دعائية لإظهار الانضباط المالي، لا سيما بعد تمرير الجمهوريين سابقًا لقانون رفع الدين العام بمقدار 3.3 تريليون دولار.
البيت الأبيض ومجلس النواب: ضبط الإنفاق أو معاقبة المؤسسات؟
اعتبر الجمهوريون القانون خطوة أولى نحو "كبح الإنفاق المفرط"، كما صرح زعيم الأغلبية ستيف سكاليز: "قد لا يكون حلًا شاملًا، لكنه بداية جيدة". إلا أن الديمقراطيين وصفوا الإجراءات بأنها "قاسية" و"مدمرة" لدور أمريكا القيادي في الإعلام والتنمية.
الرئيسة التنفيذية لمؤسسة البث العام، باتريشيا هاريسون، حذرت من "عواقب سلبية عميقة ودائمة"، مشيرة إلى أن القرار سيؤدي إلى إغلاق العديد من محطات الإذاعة والتلفزيون العامة، خاصة في المناطق الريفية.
صوت الإعلام المعارض: المؤسسات الإعلامية تحذر من آثار كارثية
إذاعة NPR وصفت القرار بأنه "تفكيك غير مبرر لمؤسسات مدنية"، وأكدت مديرتها التنفيذية كاثرين ماهر أن المجتمعات الريفية ستكون الأكثر تضررًا، حيث تعتمد على البث العام كمصدر رئيسي للتنبيهات الطارئة والمعلومات المحلية.
السيناتورة الجمهورية ليزا موركوفسكي من ألاسكا، التي عارضت المشروع، شددت على الدور الحيوي الذي تلعبه وسائل الإعلام العامة في المناطق النائية، محذّرة من عواقب اجتماعية وخدمية إذا تم تنفيذ هذه التخفيضات.
قضية إبستين تثير انقسامًا سياسيًا إضافيًا داخل المجلس
خلف الكواليس، شهد مجلس النواب توترًا آخر بعد مطالبة أعضاء من لجنة القواعد بالكشف عن ملفات مرتبطة بجيفري إبستين، ما دفع القادة الجمهوريين للموافقة على قرار رمزي يسمح بتصويت لاحق غير ملزم حول القضية، في محاولة لاحتواء الخلافات.
النائب توماس ماسي وصف القرار بـ"الحيلة"، بينما اعتبره الديمقراطي جيمي راسكين "تسوّسًا سياسيًا"، في وقت دعم فيه نواب من الحزبين المقترح الأصلي للكشف الكامل عن الوثائق.
تحذيرات من تفكيك الإجماع التقليدي على تمويل المؤسسات المدنية
انتقد الديمقراطيون ما وصفوه بـ"تقويض الإجماع السياسي الأمريكي" على تمويل برامج محورية في الداخل والخارج، معتبرين أن الحزمة تعكس توجّهًا جديدًا لإعادة صياغة أولويات الدولة بناءً على دوافع حزبية لا استراتيجية.
وبينما يرى الجمهوريون أن المشروع يستهدف "وسائل الإعلام اليسارية الممولة من الدولة"، يرى خصومهم أن الإعلام العام لا يزال منبرًا حياديًا يقدم خدمات جوهرية في بيئة إعلامية تتسم بالاستقطاب.