اعتماد معايير تاريخية لضمان شفافية سوق الكربون العالمي ضمن اتفاق باريس


السبت 17 مايو 2025 | 08:02 مساءً
سوق الكربون
سوق الكربون
حسين أنسي

في تطور وصف بأنه تحول محوري في جهود مواجهة تغير المناخ، أعلنت الهيئة الرقابية التابعة لاتفاق باريس للمناخ اعتماد مجموعة من القواعد والمعايير الجديدة لتنظيم سوق الكربون العالمي، ضمن ما يعرف بـ آلية إصدار الاعتمادات بموجب المادة 6.4 من الاتفاق.

تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز المصداقية والشفافية في سوق الكربون، ومحاربة ما يُعرف بـ"الاعتمادات الزائفة"، أي المشاريع التي تُمنح اعتمادات كربونية دون أن تُسهم فعلياً في خفض الانبعاثات.

معياران جديدان لضمان جودة الاعتمادات

وافقت الهيئة الرقابية على تطبيق معيارين أساسيين يُتوقع أن يُحدثا فرقاً جوهرياً في طريقة تقييم وتمويل المشاريع الكربونية:

1. معيار "خط الأساس"

يعتمد على تحديد كمية الانبعاثات التي كان يُفترض أن تحدث في غياب المشروع. وبموجب القواعد الجديدة، يجب أن يكون خط الأساس هذا أقل بنسبة 10% على الأقل من الانبعاثات المعتادة (business-as-usual)، مع تقليص تدريجي سنوي لا يقل عن 1%، في إطار يتماشى مع مسار الوصول إلى الحياد الكربوني.

هذه الخطوة تُعد سابقة تاريخية لأنها تقضي على إمكانية التلاعب في احتساب الأرصدة الكربونية، وتدفع نحو مشاريع حقيقية وفعالة في خفض الانبعاثات.

2. معيار "التسرب"

يهدف لضمان احتساب أي زيادة غير مقصودة في الانبعاثات تحدث في مناطق أخرى نتيجة تنفيذ المشروع، وهو ما يُعرف بالتسرب الكربوني. كما يُشترط الآن دمج مشاريع الحفاظ على الغابات، المعروفة باسم REDD+، ضمن الاستراتيجية المناخية الوطنية للدولة المضيفة، بما يعزز اتساق هذه المشاريع مع السياسات الوطنية.

قرارات إضافية تعزز المصداقية والمساواة

إلى جانب المعايير الفنية، اتخذت الهيئة قرارات داعمة من شأنها تطوير السوق وضمان العدالة للدول النامية، أبرزها:

إطلاق مشاورات حول تقاسم المنافع بين المطورين والدول المضيفة لضمان عدالة اقتصادية.

تعزيز برامج بناء القدرات للدول الفقيرة لتتمكن من تصميم وتنفيذ مشاريع مؤهلة.

تحديث معايير المشاريع القديمة، مثل مواقد الطهي، لتتماشى مع أحدث البيانات المناخية.

وقال مارتن هيشن، رئيس الهيئة الرقابية، إن "ما تم اعتماده ليس مجرد قواعد فنية بل قرار غير مسبوق في اتجاه خفض تدريجي لمستويات الاعتماد بما يتماشى مع أهداف الحياد المناخي".

وأشارت ماريا الجشي، نائبة الرئيس، إلى أن هذه الخطوة "تمنح المطورين رؤية واضحة تمكنهم من تصميم مشاريع تتوافق مع متطلبات آلية باريس".

سوق الكربون.. من النظرية إلى التنفيذ

هذه القواعد تأتي ضمن آلية المادة 6.4 من اتفاق باريس، وهي آلية تعاون دولي تسمح للدول بتمويل مشاريع خفض الانبعاثات في دول أخرى، وتبادل الأرصدة الكربونية بينها بهدف تقليل التكاليف وتحفيز التمويل المناخي.

وتشير التقديرات إلى أن سوق الكربون العالمي قد يشهد فجوة تمويل مؤقتة، نتيجة انخفاض عدد المشاريع المنقولة من آلية التنمية النظيفة (CDM) السابقة. ويتوقع أن يبدأ العمل بالمنهجيات الجديدة اعتبارًا من عام 2026.

كما تعمل الهيئة على إنشاء سجل رقمي عالمي للأرصدة الكربونية، وتطوير أدوات تقييم ومتابعة جديدة لضمان الالتزام والشفافية.

ما هي REDD+ ولماذا تُعد أداة مهمة في سوق الكربون؟

REDD+ (خفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها) هي آلية أطلقتها الأمم المتحدة لتشجيع الدول النامية على الحفاظ على غاباتها، مقابل حوافز مالية.

تشمل هذه المبادرات:

تقليل قطع الأشجار والتدهور البيئي

الحفاظ على مخزونات الكربون

إعادة التحريج والتشجير

الإدارة المستدامة للغابات

وترمز علامة "+" في REDD+ إلى التوسيع في نطاق العمل ليشمل إجراءات تنمية الغابات، وليس فقط الحفاظ عليها.

أهم المستفيدين من REDD+ هم:

الدول النامية ذات المساحات الغابية الواسعة

المجتمعات المحلية التي تعتمد على الغابات

المستثمرون في سوق الكربون

المجتمع الدولي الساعي إلى خفض الانبعاثات العالمية

دلالة الخطوة: مناخ أكثر عدالة.. ومشاريع أكثر واقعية

تعكس هذه القرارات تحولاً جوهريًا في آليات المناخ الدولية، حيث لم تعد السوق قائمة على الأرقام النظرية، بل على تحقيق نتائج فعلية، مع التزام صارم بمصداقية المشروعات واستدامتها.

وفي ظل ارتفاع وتيرة التغير المناخي، تمثل هذه الخطوة رسالة واضحة بأن الأسواق المناخية لن تكون بعد اليوم مجرد أداة لتبادل الأرصدة، بل ميدانًا حقيقيًا للمساءلة والنتائج.