تُعيد تركيا تأكيد موقعها المحوري في الوساطات الدولية، مستفيدة من موقعها الجغرافي وثقلها السياسي، بينما تتزايد التحركات الدولية بحثًا عن مخرج دبلوماسي ينهي الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا.
يُجدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لاستضافة جولة جديدة من محادثات السلام بين موسكو وكييف، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه، الأحد، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ووفق ما أعلنه مكتب الرئيس التركي، فقد عرض أردوغان استضافة المحادثات في مدينة إسطنبول، في إطار جهود دبلوماسية مستمرة لتهدئة النزاع المستمر منذ أكثر من عامين.
تأييد تركي لمبادرة بوتين ودعوة لاستغلال الفرصة
يؤكد الكرملين من جهته صحة الاتصال، مشيرًا إلى أن الجانبين ناقشا اقتراحًا من بوتين بعقد مفاوضات سلام مباشرة، وقد أبلغ أردوغان نظيره الروسي أنه "يدعم بالكامل" هذا التوجه.
وفي بيان لاحق، نقل مكتب أردوغان أن الرئيس التركي أطلع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضًا على استعداد أنقرة لاستضافة المحادثات، مشددًا على أن المجتمع الدولي أمام "نقطة تحول تاريخية" يجب استثمارها لإنهاء النزاع، مشيرًا إلى أن تركيا مستعدة لبذل كل ما يلزم لوقف إطلاق النار وتحقيق سلام دائم.
موقف أوكراني مشروط ودعم غربي لوقف إطلاق النار
تتزامن التحركات التركية مع إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداد بلاده للحوار، شريطة إعلان موسكو وقفًا لإطلاق النار بشكل "كامل ودائم وموثوق"، بدءًا من يوم الاثنين الموافق 12 مايو.
وأكد زيلينسكي عبر منصة "إكس" أن "الخطوة الأولى لإنهاء أي حرب هي وقف إطلاق النار"، مضيفًا أن "لا جدوى من القتل ليوم إضافي واحد".
في السياق ذاته، عبّر مدير مكتبه أندريه يرماك عن ضرورة وقف إطلاق النار قبل أي مفاوضات، محذرًا من "تلاعب روسيا بالمواقف" لإخفاء نواياها الحقيقية بشأن مواصلة الحرب.
وقد حصل الموقف الأوكراني على دعم سياسي مباشر من الولايات المتحدة وعدد من القادة الأوروبيين، من بينهم الرئيس الفرنسي ماكرون، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذين دعوا جميعًا إلى وقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يومًا كبداية حقيقية لمسار تفاوضي جاد.
بوتين يطرح شروطه مجددًا ويشير إلى اتفاق 2022
من جانبه، يتمسك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشروطه لإنهاء الحرب، مؤكدًا في تصريحات حديثة أن روسيا لا تمانع العودة إلى طاولة المفاوضات "دون شروط مسبقة"، لكنه يشير إلى أن أي تسوية يجب أن تُبنى على الأسس التي وردت في مسودة اتفاق عام 2022، والتي تنص على حياد أوكرانيا مقابل ضمانات دولية من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
كما يصر الكرملين على مطالب تشمل تخلي أوكرانيا عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وانسحابها من الأراضي التي تطالب بها روسيا، وهو ما ترفضه كييف تمامًا، معتبرة أن وحدة أراضيها "غير قابلة للمساومة".
جهود وساطة متواصلة من عدة أطراف دولية
وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، تبرز تركيا مجددًا كوسيط دبلوماسي محتمل، بدعم من دول أخرى مثل الصين والبرازيل وعدد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث وجّه بوتين شكره لتلك الدول على جهودها المتواصلة في سبيل تقريب وجهات النظر.
رغم أن الطريق نحو اتفاق سلام شامل ما زال طويلًا ومليئًا بالعقبات، إلا أن بوادر الانفتاح من الجانبين، مع انخراط دول محورية في جهود الوساطة، تُبقي الأمل قائمًا في التوصل إلى هدنة حقيقية تمهّد لإنهاء الحرب الأكثر دموية في أوروبا منذ عقود.