في ظل تصاعد حرب الرسوم الجمركية العالمية التي تأججت مجددًا نتيجة السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يواجه الاقتصاد العالمي موجة جديدة من عدم اليقين، تترافق مع مؤشرات مقلقة على ركود اقتصادي محتمل، وتشير تحليلات المؤسسات المالية إلى أن هذه الاضطرابات قد تترك أثرًا واسع النطاق على حركة التجارة العالمية، وقرارات الاستثمار في قطاعات متعددة.
ومع تصاعد التوترات التجارية وتغير ملامح الاقتصاد الدولي، بدأ المستثمرون في البحث عن ملاذات آمنة وأصول يمكن أن تحافظ على قيمتها أو تحقق عوائد جيدة في ظل هذه الأجواء المتقلبة، ومن أبرز هذه الأصول الذهب، الذي يُعد تقليديًا وجهة للاستثمار الآمن خلال فترات الأزمات، إلى جانب محطات شحن السيارات الكهربائية التي تشهد طلبًا متزايدًا بدفع من التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، وأسعار البنزين التي تتأثر بشدة بالتغيرات الجيوسياسية وقيود التوريد.
كما يبرز في المشهد الاستثماري فول الصويا، الذي يتأثر مباشرة بالسياسات الجمركية المتبادلة بين القوى الكبرى، مما يجعله مؤشرًا حساسًا للتطورات التجارية، إلى جانب قطاع طاقة الرياح الذي يواصل النمو كأحد البدائل المستدامة وسط التحول العالمي نحو تقليل الانبعاثات الكربونية.
وفي ظل هذه المتغيرات، تزداد أهمية مراقبة هذه القطاعات كفرص استراتيجية للمستثمرين في الفترة القادمة.
الذهب
يواصل الذهب تسجيل مستويات قياسية جديدة، بعدما حقق ارتفاعًا يتجاوز 20% منذ بداية العام، متجاوزًا حاجز 3200 دولار للأونصة في ظل سعي المستثمرين إلى الملاذات الآمنة، وسط تصاعد القلق من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على استقرار الاقتصاد العالمي.
وقالت ليو يوشوان، الباحثة المتخصصة في المعادن الثمينة بشركة Guotai Jun’an Futures في شنجهاي: "الذهب هو أفضل مكان للاستثمار حاليًا".
كما رفع بنك جولدمان ساكس، توقعاته لسعر الذهب في نهاية عام 2025 إلى 3700 دولار للأوقية، بعد أن كانت التوقعات السابقة تشير إلى 3300 دولار، حيث يتوقع أن يكون السعر ضمن نطاق يتراوح بين 3650 و3950 دولارًا
وجاء هذا التعديل نتيجة زيادة الطلب من البنوك المركزية، إضافة إلى ارتفاع تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة بسبب تزايد مخاطر الركود الاقتصادي.
وأفاد البنك، في مذكرة: "في حالة حدوث ركود اقتصادي، قد تتسارع تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة، ما يمكن أن يرفع أسعار الذهب إلى 3880 دولارًا للأوقية بنهاية العام"، وفقًا لرويترز.
محطات شحن السيارات الكهربائية
تشير تقديرات مؤسسة (BloombergNEF)، إلى أن عدد محطات الشحن العامة للسيارات الكهربائية حول العالم سيشهد نموًا بنسبة 26% خلال العام الجاري، ليصل إلى 6.6 مليون محطة.
وتصدّرت أوروبا مشهد النمو في عام 2024، بإضافة 265 ألف نقطة شحن جديدة إلى شبكتها العامة، لكنها لا تزال خلف الصين، التي احتفظت بموقعها الريادي، حيث استحوذت على 68% من محطات الشحن العامة العالمية بنهاية العام الماضي.
أما أميركا الشمالية، فقد سجلت نموًا متواضعًا، إذ أضافت فقط 480 ألف نقطة شحن، ما يعكس تأخرًا ملحوظًا عن الدول الأخرى في تطوير البنية التحتية الخاصة بالمركبات الكهربائية.
أسعار البنزين
مع اقتراب موسم السفر الأكثر ازدحامًا في الولايات المتحدة، يستفيد السائقون من أدنى أسعار للبنزين منذ ذروة جائحة كوفيد-19، حين تسبب الإغلاق الاقتصادي في انهيار كبير للطلب.
وتشكل هذه الأسعار خبرًا سارًا للمستهلكين الذين يخططون لرحلاتهم بمناسبة عطلة (Memorial Day) في نهاية مايو، لكن في المقابل، يعتبر الأمر سلبيًا لشركات المصافي وتجار الوقود الذين يعتمدون على موسم الصيف لزيادة هوامش أرباحهم.
ورغم هذا الانخفاض، لا يزال متوسط سعر البنزين يتجاوز 3 دولارات للجالون، وهو المستوى الذي سلط عليه الرئيس دونالد ترمب الضوء مرارًا في خطاباته الأخيرة.
فول الصويا
مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين نتيجة لسياسات ترامب، يواجه قطاع فول الصويا الأمريكي ضغوطًا جديدة، إذ تمثل الصين أكبر مستورد عالمي لفول الصويا، وتشتري عادةً نحو ثلثي حجم التجارة العالمية، لكنها بدأت تقليص وارداتها من الولايات المتحدة كرد فعل على التصعيد التجاري.
ويخشى المزارعون الأمريكيون من تكدّس المخزون المحلي، ما قد يؤدي إلى تراجع الأسعار كما حدث في فترة الحرب التجارية السابقة خلال ولاية ترمب، حين تأثرت السوق الزراعية بشكل كبير من النزاع التجاري مع بكين.
طاقة الرياح
من المتوقع أن يشهد قطاع طاقة الرياح في الولايات المتحدة انتعاشًا ملحوظًا اعتبارًا من هذا العام وحتى عام 2029، بعد تسجيله أدنى معدل نمو في 2024، وفقًا لتقرير صادر عن شركة (Wood Mackenzie) المتخصصة في استشارات الطاقة. ويتناول التقرير أداء مشاريع الرياح البرية والبحرية معًا.
ومع ذلك، خفضت الشركة توقعاتها لإجمالي القدرة الإنتاجية الجديدة التي ستُضاف خلال السنوات الخمس المقبلة بنسبة 40%، مشيرة إلى أن السبب يعود إلى التغيرات في السياسات الأمريكية، إضافة إلى الضبابية الاقتصادية التي تُلقي بظلالها على مستقبل الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي.