ذا ناشيونال بيزنس : رفع سعر الفائدة في مصر كان قرارا حكيما، في ظل جموح التضخم


الثلاثاء 30 مايو 2017 | 02:00 صباحاً

في خطوة منه لكبح جموح التضخم، قام البنك المركزي المصري

يوم الأحد الماضي برفع أسعار الفائدة الأساسية لديه بمقدار نقطتان مئويتان: وفي

ضوء ذلك، سيتعين على البنوك الراغبة في اقتراض الأموال أن تدفع الآن فائدة على هذه

الأموال تبلغ نسبتها 17.75%، مقارنة بـ 15.75% التي كانت تدفعها في السابق.

لقد بات التضخم يمثل أحد أكبر المخاطر التي تهدد

الاقتصاد المصري.  حيث قفز معدله السنوي

إلى 31.5% في إبريل الماضي، ليسجل بذلك أعلى معدل تضخم على مستوى الاقتصاديات

الأكبر في العالم، باستثناء فنزويلا الذي يشهد اقتصادها وضعا كارثيا.

وقد رأى منتقدو قرار رفع الفائدة بأن القرار لم يكن

ملائما، نظرًا لأن ارتفاع التضخم في مصر، من وجهة نظرهم، جاء نتيجة تعرض البلاد

لعدة صدمات عارضة أدت إلى رفع الأسعار، خاصة الانخفاض الحاد الذي شهده الجنيه

المصري في أوائل شهر نوفمبر الماضي، والذي أدى إلى مزيد من الارتفاع في قيمة

الواردات، والذي سرعان ما تبعه زيادة أيضًا في أسعار الوقود. وسبق ذلك زيادة ضريبة

القيمة المضافة بمقدار ثلاث نقاط مئوية لتصل إلى 13%  الأمر الذي ساهم أيضًا في ارتفاع الأسعار. ومن

ثم، فإن منتقدو القرار يرون أنه بمجرد أن يستوعب النظام هذه الصدمات، سوف تنخفض

معدلات التضخم تدريجيا من تلقاء نفسها.

إلا أن المشكلة في هذا النهج من التفكير تكمن في أن معدل

التضخم في مصر كان بالفعل من بين أعلى معدلات التضخم على مستوى العالم حتى قبل

تعرض البلاد لصدمات الأسعار هذه، حيث بلغ معدل التضخم 15.5% خلال العام حتى أغسطس

2016، أي قبل حدوث الصدمات المذكورة بفترة طويلة. وفي ذلك الوقت، لم يكن هناك معدل

تضخم أعلى من المعدل المذكور على مستوى الاقتصاديات الناشئة سوى في دولتان فقط هما

فنزويلا ونيجيريا.

وعلى عكس ما يراه منتقدو القرار، فإن الأمر ليس كذلك،

حيث أن السبب الرئيسي لجموح التضخم في مصر لم يكن تخفيض قيمة العملة المحلية، أو

الزيادات التي تمت على أسعار الوقود، وإنما يكمن في التوسع السريع الذي حدث في حجم

المعروض النقدي خلال الأعوام القليلة الأخيرة. فمنذ اندلاع انتفاضة 2011، شهدت

الحكومات المتعاقبة في تلك الفترة والتي لم تشأ أن تزيد من حنق المواطنين

المتمردين على الأوضاع، عجزا ضخما في الموازنة العامة  قامت بتمويله في حقيقة الأمر من خلال طبع

النقود. وهو ما أسفر عن وجود نقود كثيرة تطارد سلع وخدمات قليلة للغاية، الأمر

الذي أدى في النهاية إلى زيادة الأسعار.

وفي الوقت نفسه، أدى هذا التوسع في المعروض النقدي إلى

انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى. وهو ما أرغم البنك المركزي على

تخفيض قيمة الجنيه في نوفمبر الماضي.

وقد ارتفع حجم المتداول من الجنيه المصري أو حجم الودائع

الجارية بالعملة المحلية بمقدار 19% خلال العام وحتى نهاية مارس، في الوقت الذي

كان الاقتصاد المصري  ينمو بمعدل أقل من

4%. وهو ما يمثل حالة كلاسيكية للركود التضخمي، وتمثل العلاج في اتخاذ الدواء المر

والمحتوم  في أسرع وقت ممكن، حيث أن

التأخير لن يجدي نفعا بل سيؤدي فقط إلى تطويل فترة المعاناة.

مما لا شك فيه أنه من خلال رفع أسعار الفائدة، سوف ينجح

البنك المركزي في خفض معدل التخضم. حيث أن ارتفاع أسعار الفائدة سوف يغري الأفراد

والشركات للتوقف عن إنفاق أموالهم، والبدء في ادخارها، ومن ثم يقل حجم كل من

المعروض النقدي والاستهلاك، حيث سيقل مقدار الأموال المتاحة لشراء السلع والخدمات،

ولن ترتفع الأسعار بالسرعة التي هي عليها الأن. وعندما ينخفض التضخم، يمكن للبنك

المركزي أن يبدأ في تخفيض أسعار الفائدة مرة أخرى.

قبل رفع سعر الفائدة، لم يكن هناك دافع لدى المواطنين

للادخار، فقد كان متوسط العائد السنوي على أذون الخزانة لأجل 91 يوما التي تم

طرحها للبيع قبيل رفع سعر الفائدة يوم الأحد الماضي هو 19.5% ، وهو ما يقل كثيرا

عن معدل التضخم. علاوة على ذلك، فإنه في شهر إبريل، أي بعد مضى ما يقرب من ستة

أشهر على قرار خفض الجنيه، كانت لا تزال الأسعار تتجه إلى الارتفاع، مسجلة زيادة

قدرها 1.69% شهريا، وبأكثر من 22% سنويا. جدير بالذكر أنه بالنسبة للأشخاص الذين

قاموا بشراء أذون الخزانة، فإنهم سوف يحصلون على سعر فائدة سالب يقدر بنحو 3%، مع

افتراض أن يظل معدل التضخم عند مستواه الحالي المرتفع.

من المعروف أن أحد فوائد تخفيض سعر الفائدة هو إبقاء

تكلفة الدعم الحكومي تحت السيطرة، بينما يتمثل أحد عيوبه في زيادة تكلفة تمويل عجز

الموازنة، على الأقل على المدى القصير.

وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى، لقد كان من بين الانتقادات

التي وجهت إلى قرار يوم الأحد برفع أسعار الفائدة هو أن القرار سوف يؤدي إلى زيادة

تكاليف الاستثمار بالنسبة للشركات في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري ويفتقر

بشدة إلى إجراءات تحفيزية.  ولكن الحقيقة

المحزنة هنا هو أن البنوك المصرية لم تكن تخصص جزءا كبيرا من أموالها لإقراض

الشركات الخاصة ، وإنما كانت توجه الجزء الأكبر من أموالها لمساعدة الحكومة على

تمويل العجز في الموازنة، من خلال اكتتابها في الأذون وسندات الخزانة بصفة أساسية.

من المرجح أن الكثير من الشركات القليلة التي كانت تتلقى

تمويل مصرفي لن تجد صعوبة كبيرة في الاقتراض بالدولار الأمريكي لتمويل استثماراتها

لحين انخفاض أسعار الفائدة على الجنيه مرة أخرى.

أما بالنسبة لهؤلاء الأشخاص القلقون بشأن الزيادة

المؤقتة في أسعار الفائدة والذين يرون أنها قد تزيد من ألم الفقراء، فلربما كان

الأجدر بهم أن يقلقوا بصورة أكبر على الضرر الذي يلحقه التضخم الجامح في مصر

بهؤلاء الفقراء.

كاتب هذا المقال هو باتريك وير والذي عمل ككاتب للشئون

المالية في مصر لمدة 27 عاما.