رحب محمد الأتربى رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية رئيس اتحاد بنوك مصر، خلال كلمتة بالملتقي السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية، بكلا من: حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، والدكتور أشرف بهي الدين – وكيل المحافظ، واللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، كما رحب بالأستاذ سليمان بن رشيد الجبرين، الرئيس التنفيذي - مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA FATF، والدكتور حاتم علي، مدير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي.
وإلى نص الكلمة:
السادة الخبراء والمتحدثين الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
يسعدني بداية أن أرحب بكم جميعاً في بلدكم الثاني مصر، وفي مدينة شرم الشيخ التي تسعد دائماً بحضوركم، وأتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى معالي محافظ البنك المركزي المصري الأستاذ حسن عبدالله، على رعايته الكريمة لهذا الملتقى وعلى التعاون الدائم الذي نلقاه من البنك المركزي المصري بتوجيهاته الرشيدة، وإلى سعادة اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء، على دعمه لنشاطات الإتحاد، وعلى حسن الاستقبال وكرم الضيافة، والشكر والتقدير موصولين إلى وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على تعاونهم ودعمهم لنشاط إتحاد المصارف العربية، وإلى السادة مدراء الإلتزام في مصارفنا العربية على تشريفنا بحضورهم ومشاركتهم في أعمال هذا الملتقى الذي يُعد بمثابة منصة سنوية مهمة لمناقشة المخاطر التي تواجهها المجتمعات جراء ارتكاب الجرائم المالية وأثرها على استقرار الأنظمة المالية، ومناقشة أفضل السبل لزيادة فعالية مكافحتها، أخذاً في الاعتبار التطورات المستمرة المتعلقة بتلك الجرائم، ولاسيما استخدام المجرمين لأساليب حديثة ومبتكرة لغسل متحصلاتهم الإجرامية ولتمويل الإرهاب فضلاً عن تناول أهم التحديات التي تعترض مديرين الألتزام في المصارف العربية وأفضل السبل لمواجهتها.
حضرات السيدات والسادة...
أن الناظر بعين الاعتبار للأرقام التي تضمنها التقرير العالمي الصادر من وكالة "Nasdaq" لعام 2024، والتي تشير إلى تدفقات الأموال غير المشروعة عبر النظام المالي العالمي خلال عام 2023 والبالغ قيمتها 3.1 تريليون دولار، يجد أن معظمها تجسد في عمليات غسل أموال وتمويل عدد من الجرائم المدمرة، بجانب تمويل عمليات الاتجار بالبشر والذي بلغ حجم تمويله وفقاً لذات التقرير نحو 346.7 مليار دولار، فضلاً عن تمويل تجارة المخدرات والذي بلغ نحو 782.9 مليار دولار، أيضاً هناك نحو 11.5 مليار دولار تم استخدامها في تمويل الأرهاب.
فيما بلغ إجمالي عمليات الاحتيال المصرفي على مستوى العالم نحو 485.6 مليار دولار خلال عام 2023...وكلنا نعلم أن جرائم غسل الأموال قد أودت بسمعة عدد من البنوك الكبرى على مستوى العالم.
السادة الحضور الكريم ...
هذه الأرقام تشير إلى أن عمليات غسل الأموال وتمويل الأرهاب قد بلغت مستويات مقلقة أكثر من أي وقت مضى، خصوصا أنها تدخل ضمن نطاق سلسلة لا تنتهي من الجرائم، بما في ذلك الجريمة المنظمة بكل تفاصيلها، والإرهاب، وسرقة المال العام، والإضرار بمقدرات الشعوب، والاحتيال، والفساد، وغير ذلك من الجرائم التي تجاوزت التعريف الذي أوردته اتفاقية فيينا لعام 1988 للأموال الفاسدة... إذ أن الجرائم المستمدة من هذه الأموال في تكاثر مستمر وتنوع دائم بل وصارت أكثر ابتكارا من ذي قبل نظراً لاعتمادها على تقنيات تكنولوجية أكثر تعقيداً... ناهيك عن آثارها التدميرية الاقتصادية والاجتماعية على الدول لا سيما وأن كانت تلك الدول من حقبة الدول التي تعاني ضعف المعايير المتخذة في مكافحة هذه الجرائم.
وبعيداً عن لغة الأرقام... فإذا ما نظرنا إلى الآثار السلبية الاقتصادية التي تتسبب فيها الجرائم المالية والتي على رأسها غسل الأموال وتمويل الإرهاب نجد أنها في المقام الأول تؤدي إلى تدني سمعة النظام المالي للدولة، وحرمانها من موارد مالية مهمة كان من الممكن تخصيصها للتشغيل والتنمية كما أنها من الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات التضخم فضلاً عن تأثيرها في قواعد المنافسة الشريفة والنزيهة.
أما على المستوى الاجتماعي، فتقع على المؤسسات المالية العربية والدولية مسئولية كبري بل أساسية لتتبع ودرء الجرائم المالية، لأن أثر عدم الملاحقة بشكل أمثل وفعال لمتحصلات تلك الجرائم، يؤدي إلى تمكين مرتكبيها من أعادة استغلال تلك المتحصلات في جرائم أكثر، مثل تمويل الإرهاب، ناهيك عن مساهمتها في زيادة معدلات الجريمة وتراجع قيم التعليم والثقافة.
السادة الحضور الكريم...
مما سبق تأتي أهمية ذلك الملتقي والذي يتناول تجارب الدول العربية في مجال استخدام النظم التكنولوجية الحديثة لضمان حماية البيانات في المصارف كما يتعرض لأبرز التحديات التي تواجه القطاع الخاص في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأفضل الممارسات لمواجهتها، خصوصاً في ظل هذا التحوُّل المتسارع نحو الرقمنة، والتوسع في الاعتماد على التكنولوجيا في إجراء العمليات المصرفية.
وكما تعلمون أيها السادة، أن المصارف هي الأكثر استهدافاً لتنفيذ الجرائم المالية وغسل الأموال، وعلى الرغم من ذلك فأنها الوسيلة والأداة الرئيسية وخط الدفاع الأول الفعال لمكافحة هذه الجرائم، شرط أن تمتلك المصارف الموارد والخبرة والمعرفة الكافية والعميقة بالآليات والقنوات لمكافحة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
وهذا ما يسعى إتحاد المصارف العربية إلى تحقيقه من خلال هذا الملتقى والملتقيات السابقة، حيث خصص حيزاً هاماً من فعالياته لتسليط الضوء على هذه الآفة الخطيرة كما عزز سبل التعاون المستمر بينه وبين المؤسسات الإقليمية والدولية المعنية عبر عقد المؤتمرات والمنتديات والملتقيات التي عقدها خلال السنوات الأخيرة... وهدفنا الرئيسي من هذه النشاطات هو تعزيز الوعي، وتفعيل الإجراءات في مجال مكافحة هذه الآفة الخطيرة، من خلال التعرُّف على القواعد الدولية الجديدة وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص بما فيها التعاون مع المؤسسات الأمنية والقضائية العربية بهدف حماية القطاع المصرفي العربي والحفاظ على العلاقات بين المصارف العربية والمصارف المراسلة.
الحضور الكريم...
من هذا المنطلق فأن المصارف والمؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم تواجه متطلبات تنظيمية متزايدة ومعقدة، وتدقيقاً متزايداً على أطر الامتثال الخاصة بها، لا سيما بمسائل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب... وتفرض هذه البيئة التنظيمية المعقدة والحاجة الملحة لتطبيقها المزيد من الضغوط على المصارف، تتمثل هذه الضغوط في الموائمة بين ضرورة الامتثال للقوانين والتشريعات الدولية وفي الوقت نفسه ترسيخ المتطلبات التي تحقق الشمول المالي، وتمويل الشركات الصغيرة المتوسطة ورواد الأعمال، وتسهيل التمويلات المالية، وتمويل التجارة والاستثمار، وفي هذا المجال فقد حققت بعض دولنا العربية تقدماً لافتاً في تعزيز نظامها المتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال تنفيذ القوانين الدولية وخاصةً قاعدة اعرف عميلك، والتحقيق في الجرائم المالية، وإجراء أنشطة للتوعية بشأن الالتزامات المتعلقة بإجراءات الحظر المالي ونقل الأموال، إلا أنه وعلى الرغم من تلك الجهود، لا يزال هناك عدد من التحديات القائمة على مستوى الدول وعلى مستوي القطاعات المصرفية الإقليمية العاملة بها تحتاج إلى تضافر الجهود للتغلب عليها، ومن أبرزها:
تطوير التشريعات الوطنية... فعلى الرغم من الجهود المبذولة على هذا الصعيد، إلا أننا لا زلنا في حاجة ماسة لزيادة العمل على تطوير التشريعات الوطنية بما يتوافق مع المعايير الدولية.
إثراء قواعد البيانات والإحصائيات المتعلقة بعمليات غسل الأموال ومكافحة الإرهاب حيث لا يزال هناك ضعف في استيفاء قاعدة بيانات وإحصائيات وطنية شاملة ومحدثة لحصر كافة القضايا المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب لدي بعض الدول.
التطور التقني المتسارع وظهور أدوات مالية مثل العملات المشفرة الأمر الذي يتطلب من السلطات المعنية في الدولة اتخاذ الخطوات اللازمة لمواكبة سرعة هذه التطورات.
السيطرة على عمليات التهريب عبر الحدود البرية، خاصة لدى الدول التي تمتلك حدود برية طويلة.
تحسين امتثال الاعمال والمهن غير المالية المحددة للمتطلبات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعلى مستوى البنوك فأن هناك تحديات ناجمة لدى بعض البنوك تتمثل في الأستبعاد المالي لبعض فئات العملاء، من جراء التزام البنوك بالتطبيق التام للتوصيات والتعليمات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الأرهاب، حيث قامت بإغلاق حسابات أو تقليص للخدمات، والامتناع عن التعامل مع فئة أو فئات من مستهلكي الخدمات المالية فضلاً عن ارتفاع تكلفة الخدمات المقدمة من جانب أو التوقف عن تقديم بعضها في بعض البنوك... الامر الذي أثر علي قدرة بعض فئات العملاء الحاليين على الاستمرار في تعاملاتها مع القطاع المصرفي الرسمي والتحول للتعامل مع القطاع غير الرسمي.
كما أن هناك تحديات تتعلق بكفاءة نماذج أعرف عميلك (KYC) وأعرف عميل عميلك (KYCC) في تزويد البنك بالمعلومات الكافية والحقيقية عن العملاء.
فضلاً عن التحديات التي تتعلق بتدريب وتأهيل موظفي البنوك للتعامل مع الأدوات والبرمجيات التي تساعد على التعرف بشكل مبدئي على العمليات المشبوهة.
ضعف الوعي والتثقيف حول ماهية وسبل مكافحة غسل الأموال وتمويل الأرهاب.
الحضور الكريم ...
يشرفني بنهاية حديثي لكم أن أؤكد على بعض التوصيات التي أعلم يقيناً أنها في صميم وجدانكم وتحتل المرتبة القصوى في خططكم التنفيذية... ولعل أهم هذه التوصيات:
الاهتمام بعقد الدورات التدريبية وبناء القدرات سواء لإعداد المقيمين على مستوى الدول العربية من خلال تنظيم دورات تدريبية متخصصة ومتقدمة حول التحليل الاستراتيجي بالتعاون مع المنظمات الدولية ذات الخبرة بالمجال، أو تنظيم دورات تدريبية مكثفة لجهات التحقيق التي تُعد من جهات إنفاذ القانون والسلطات القضائية والادعاء العام في مجال التحقيقات المالية الموازية.
عقد مزيد من ورش العمل لإطلاع الدول العربية على آخر المستجدات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبشكل خاص تلك المرتبطة بالتطورات التقنية.
دعوة الدول العربية للتوقيع على مذكرات تفاهم مشتركة فيما بينها ومع دول العالم في المجالات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما سيساهم في تعزيز التواصل وتبادل المعلومات وكذلك تعزيز التدريب وتبادل الخبرات بين الجهات الإشرافية والرقابية العربية.
الاهتمام بالتوعية والتثقيف حول مفهوم الجرائم المالية والمخاطر المتعلقة بها بشكل عام، وبغسل الأموال وتمويل الأرهاب بشكل خاص.
العمل على الاستفادة من فرص توظيف التقنيات المالية الحديثة لتعزيز إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في القطاع المالي.
تشكيل لجنة مشتركة بين البنوك والمصارف المركزية بالدول العربية لتطوير نماذج أعرف عميلك (KYC) وأعرف عميل عميلك (KYCC) والتركيز بشكل أساسي على البيانات المتعلقة بمصادر الثروة
والأموال، إلى جانب تطبيق مبدأ إجراء "اعرف عميلك" على أساس مبدأ درجة المخاطر "Risk Based Approach" .
حث البنوك والمؤسسات المالية على اقتناء أنظمة وبرامج آلية حديثة تساعد على التحديد المبدئي للعمليات المالية المشبوهة، إلى جانب الاهتمام بموضوع التدريب وبناء القدرات لموظفي البنوك والمؤسسات المالية وتأهيلهم للتعامل مع هذه الأنظمة والبرامج.
حضرات السيدات والسادة
الحضور الكريم
لا أودّ الإطالة عليكم، واسمحوا لي أنّ أجدّد شكري وتقديري لكم جميعاً على حضوركم فعاليات هذا الملتقى، كما أجدّد شكري وتقديري لمعالي محافظ البنك المركزي المصري الأستاذ حسن عبد الله، وأسئل الله تعالى لهذا الملتقى أن يحقق الأهداف المرجوّة منه وأن يلهمنا جميعاً إلى الخروج بتوصيات عملية على طريق تطوير وتعزيز أداء مصارفنا العربية العرب في قضايا الامتثال ومكافحة الجرائم المالية.