عادةً تتميز العلاقات بين مصر والهند بالقوة والصلابة ولها جذور تاريخية؛ ما يعزز من فرص التعاون المشترك وعقد الاتفاقيات التجارية بين الطرفين بما يعود بالنفع الاقتصادي عليهما.
وشهدت العلاقات المصرية الهندية تطورا كبيرا خلال الفترة الماضية على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، حيث يحرص الجانبان على تعزيز العلاقات الثنائية من خلال تكثيف الزيارات رفيعة المستوى بين الدولتين.
مقايضة بين مصر والهند
وفي هذا الإطار، تبحث الهند اقتراحا لبدء اتفاق مقايضة سلع مثل الأسمدة والغاز مع مصر في ظل اتفاق أشمل ربما يشهد تمديد نيودلهي خط ائتمان إلى القاهرة بقيمة مليارات الدولارات.
ومن المرجح الإعلان عن الاتفاق في وقت لاحق هذا الشهر خلال الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى مصر التي تواجه نقصا في العملة الصعبة، وسيسمح الاتفاق لمصر أن تجري مشتريات بالروبية ويجري بحث المقايضة كوسيلة لتسوية هذا الدين من خلال بيع المنتجات المصرية التي ربما تفيد الهند.
ومن جانبه، قال وزير التموين علي مصيلحي لرويترز: "إنها مفاوضات ومناقشات جارية حول استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري مع دول من بينها الهند"، مضيفا: "أي الدول ستشارك وفي أي سلع؟ كل ذلك لا يزال قيد المناقشة".
وتعد الهند ثالث أكبر شريك تجاري لمصر حيث شهد الرئيس الراحل حسني مبارك ورئيس الوزراء الهندي بـ18 نوفمبر 2008 التوقيع على 6 اتفاقيات «حيدر أباد» بالهند، وهي اتفاقية الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والمهمة.
واتفاقية تبادل تسليم المجرمين والإعلانات المشتركة ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في عدد من المجالات التجارية والدبلوماسية والقضائية والصحية والاستخدام السلمي للفضاء، من أجل توفير مصادر الطاقة البديلة كجزء من استراتيجية المناخ في مصر.
كانت خبرة الهند في مجال الطاقة الشمسية مفيدة، تجلى ذلك بوضوح من خلال الشراكة المصرية الهندية في إنشاء مشروع مزرعة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، والتي تعد الآن أكبر مجموعة من محطات الطاقة الشمسية في العالم.
في الوقت الذي اشتعلت فيه الأزمة وفرض حظر على صادرات القمح قبل التوصل إلى صفقة بوساطة تركية على أساسها استؤنفت صادرات الحبوب، مثلت الهند بديلاً مهمًا للقمح الروسي والأوكراني ، والذي تعد مصر فيه أكبر دول العالم المستورد، في ذلك الوقت، قامت مصر على بشراء 500 ألف طن قمح من الهند، وقد تم ذلك تحسباً لحظر نيودلهي السابق على التصدير ، والذي جاء لأن الهند قررت حظر صادرات القمح بسبب ارتفاع الأسعار المحلية وموجة الحر الشديدة التي كان لها تأثير سلبي على الإنتاج.
وفي هذا الصدد قال طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية، إن العلاقات بين مصر والهند علاقات تاريخية ووثيقة ممتدة منذ أيام جمال عبد الناصر، كما أن مصر والهند أسستا حركة "عدم الانحياز"، ومصر كانت سباقة في إحداث نهضة، مشيراً إلى أنه في ظل العالم الجديد وتشكيل أقطاب ومحاور جديدة تستطيع مصر أن تستفيد من نهضة الهند، من خلال تقوية العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والعلمية مع الهند.
وأضاف البرديسي، أن تلك العلاقات الاقتصادية القوية يحدث بالفعل من خلال الزيارات التي تتم بين الطرفين لتمهيد الطريق ولمعرفة المزايا التي يمتلكها كل بلد، ولكن ما يميز الهند شغفها المستمر بالتطوير خاصة في علوم التكنولوجيا والبرمجيات وهذا ما أدى لإحداث نهضة كبيرة في الهند.
جذب مزيد من الاستثمارات
وتابع: "أن مصر لديها العديد من العوامل التي تجعلها جاذبة للاستثمارات، على الجانب الآخر يمكن لمصر أن تستفيد من نهضة الهند من خلال هذه الزيارات السياسية خاصة في مجال علوم التكنولوجيا والبرمجة، حيث إن هذه الزيارات هي القاطرة التي تمهد الطريق أمام العلاقات الاقتصادية والاستثمارية".
وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري.. شهد التعاون بين البلدين طفرة غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة.. طفرة أكد عليها سفير الهند بالقاهرة اجيت جوبتيه حيث أشار إلى زيادة حجم التجارة البينية بسرعة بنسبة 75% في 2021 - 2022 لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق إذ بلغت 7.26 مليار دولار أمريكي واستمرت في النمو أيضًا في 2022 - 2023.
وقال سفير الهند بالقاهرة - فى تصريحات - إن حوالي 50 شركة هندية لديها استثمارات ضخمة في مصر بقيمة إجمالية تزيد على 3.2 مليار دولار أمريكي في قطاعات عدة، من بينها الكيماويات والطاقة والسيارات وتجارة التجزئة والملابس والزراعة وغيرها، مشيرا إلى أن هذه الشركات توفر بصفة عامة فرص عمل مباشرة لما يقرب من 38 ألف مصري.
وكشف السفير جوبتيه عن أن هناك العديد من هذه الشركات تخطط لتوسيع استثماراتها بضخ استثمارات تراكمية تصل إلى 800 مليون دولار أمريكي في مصر، كما أبدت العديد من الشركات الهندية اهتمامًا بتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في مصر، وقال إن ثلاث شركات هندية رائدة وقعت مذكرات تفاهم مع الحكومة المصرية بقيمة 18 مليار دولار أمريكي.
12 مليار دولار سنويا
واستعرض السفير، الجهود التي تقوم بها السفارة بالقاهرة بهدف تعزيز التجارة، حيث قامت بتنشيط الآليات المؤسسية وعقدت اجتماعات الدورة الخامسة "للجنة التجارية الهندية المصرية المشتركة" والدورة الخامسة "لمجلس الأعمال المشترك" في يوليو 2022، ونتيجة لهذه الجهود، شارك أكثر من 14 وفدًا تجاريًا يمثلون حوالي 600 شركة هندية بزيارة مصر منذ منتصف عام 2021.
والجدير بالذكر، أن يجمع البلدين علاقات مشتركة ومصالح متبادلة وذلك منذ اكثر من 75 عاما وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للهند مهدت الطريق لزيادة التبادل التجاري الذي يزيد عن 12 مليار دولار سنويا.
إضافة إلى التعاون المشترك في مجالات الطاقة والتصنيع العسكري ومجالات أبحاث الفضاء بالإضافة الى تعاون في مجالات الثقافة والتعليم والزراعة؛ واكثر من 50 شركة هندية تعمل في مصر باستثمارات تتخطى 3.15 مليار دولار.
علاوة على ذلك فرص الاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر تتجاوز 8 مليارات دولار والهند تعد ثالث أكبر سوق تصدير لمصر وتم التعاون بين البلدين في عام 2019 في إنشاء أكبر محطة في الشرق الأوسط لتوليد الطاقة الشمسية بأسوان.
وفي عام 2023 قام سامح شكري، وزير الخاريجة بزيارة الهند؛ وفي عام 2015 و2016 قام الرئيس السيسي بزيارة الهند؛ بالإضافة إلى زيارات أخرى متبادلة وفي عام 2015 وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج زارت مصر.