تمر صناعة الأسمنت الوطنية بالعديد من التحديات في ظل موجات الارتباك بالسوق العالمي بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منذ مارس الماضي، على الرغم أن هذه الصناعة تعد من أقدم الصناعات، حيث يرجع تاريخ إنشاء أول مصنع أسمنت في مصر إلي العشرينات من القرن الماضي.
تمثل صناعة الأسمنت نسبة 1% من إجمالي الناتج المحلي، إي ما يعادل 10% من الإنتاج القومي الإجمالي للصناعة المصرية، حيث تصل حجم الطاقة الإنتاجية إلى 82.5 مليون طن سنويا، تتمثل في نحو 18 شركة، حيث تصل القدرة الإنتاجية المملوكة للدولة إلى 18.5 مليون طن مع 10 خط إنتاج، في حين تصل القدرة الإنتاجية المملوكة للقطاع الخاص نحو64 مليون طن مع 37 خط إنتاج.
وقد أصدر جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، قرارا بشأن تجديد العمل بقرار الإعفاء رقم 56 لسنة 2021 لمدة عام، وزيادة في الطاقة الإنتاجية للبيع في السوق المحلي شهريا بنسبة 8% لجميع الشركات العاملة فى سوق صناعة الأسمنت مع توجيه الشركات بضرورة العمل على خفض الانبعاثات الكربونية للمحافظة على البيئة.
ومن جانبه أكد أحمد شرين كُريم، رئيس شعبة الأسمنت بغرفة صناعات مواد البناء، إن القرار يسهم في استقرار الأسعار والسوق بوجه عام، موضحا أن القرار ينعكس أيضا على قطاع التشييد والبناء، ويؤدى لزيادة الكميات المعروضة من الأسمنت بنسبة 8%، والذي سيكون له مردودا كبيرا على هذه الصناعة كثيفة العمالة.
وأوضح أن القرار سيسمح لمنتجي الأسمنت استمرار عملية التعافي من الأضرار التى لحقت بهم نتيجة للفترة العصيبة السابقة للقرار، كما سيسهم في جعل هذه الصناعة أكثر جذبا للاستثمار وسيشجع البنوك على تمويل مشروعاتها التوسعية والتطويرية، خاصة فى مجالات البيئة ومجال خفض الانبعاثات والتي تشكل مطلب أساسي و هام و هدف استراتيجي لصناعة الأسمنت و تتماشى مع توجهات الدولة والتي ستقوم هذا العام باستضافة مؤتمر المناخ العالمي COP27.
وأشار رئيس الشعبة، خلال تصريحات خاصة لجريدة العقارية، أن طن الأسمنت بالأسواق المصرية غير عادل على الإطلاق، فهو الأقل سعرا بين المنتجات العالمية، على الرغم من ارتفاع تكلفة إنتاجه، الأمر الذي يؤدى إلى تكبد شركات الأسمنت في مصر لخسائر كبيرة، اسفرت عن إغلاق مصنعين وخروجهم من السوق.
ولفت إلى أن سعر طن الأسمنت لم يشهد اية تغيرات على الصعيد المحلي منذ مارس الماضي وحتى يوليو 2022، على الرغم أن كافة السلع ومواد البناء شهدت قفزات متلاحقة وبمعدلات غير مسبوقة، لكن الاسمنت ظل محتفظا بقيمته السعرية بل تراجع سعره قليلا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بنسبة تراوحت من 5 إلى 7%.
كما توقع "كُريم"، أن يشهد طن الأسمنت تحركا سعريا خلال الفترة القادمة، مرجعا ذلك إلى الضغوط التي تواجه المصنعين خلال عملية الإنتاج، والتي تتمثل في زيادة سعر السولار وانخفاض قمة الجنيه بنسبة 20%، مقابل زيادة في "الأخضر"، مما يؤدى إلى زيادة جديد في سعر الطن تصل لنسبة 10%، مشيرا إلى أن هناك العديد من مدخلات الإنتاج اللازمة في هذه الصناعة وتأثرت بخفض سعر العملة المحلية الأخيرة، موضحا أن الشكائر التي يتم تخزين الاسمنت بها جميعها يتم استيرادها من الخارج لأنه مصنوعة من الورق، وبالتالي فقد شهدت زيادة في قيمتها آثرت في نهاية المطاف على المنتج النهائي.
وحول أزمة الفحم، أوضح رئيس الشعبة، أن روسيا تعد ثاني أكبر مصدر للفحم بعد الولايات المتحدة التي تحتل المركز الأول، لذا بعد اندلاع الحرب الروسية تأثرت واردات الفحم كثيرا وشهدت تغيرات سعرية ساهمت في زيادة الأعباء على الصناعة بوجه عام.
وأشار إلى أن الخسائر بدأت تلاحق شركات الاسمنت في مصر منذ عام 2017 ولمدة 5 سنوات، لكن الصناعة قد بدأت في التعافي في النصف الثاني من عام 2021، بعد استجابة جهاز حماية المنافسة لمطلب المصنعين، بشأن تخفيض الطاقة الإنتاجية من الأسمنت من أجل تقليص فائض العرض.
وطالب رئيس شعبة الأسمنت، بضرورة استمرار دعم الدولة لهذه الصناعة الهامة من خلال صندوق دعم الصادرات، الذي يلعب دورا هاما في مضاعفة حجم الصادرات المصرية من هذا القطاع، والتوسع في فتح أسواق جديدة مثل السودان وليبيا واليمن وشرق أفريقيا وغرب افريقيا.
وعن جهود شعبة الأسمنت للحفاظ على البيئة استعداد لمؤتمر تغير المناخ العالمي COP27، أوضح أن الوقود الذي يتم حرقه في صناعة الأسمنت لتسخين الفرن يمثل حوالي 40٪ من إجمالي انبعاثات صناعة الأسمنت، موضحا أن هناك جهود رامية بالتعاون مع البنك الأوروبي، للعمل وفق خطة محددة لاتباع حزمة من الإجراءات المبتكرة لزيادة خفض انبعاثات الكربون، والتي تستهدف خفض حوالى 3.1 مليون طن من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون بحلول عام 2030 من خلال استبدال ما لا يقل عن 15 % من الطاقة الحرارية لصناعه الأسمنت بالنفايات الصلبة والمخلفات الزراعية.
وحول التحديات التي تواجه صناعة الأسمنت في مصر، قال فاروق مصطفي، العضو المنتدب لشركة مصر بني سويف للأسمنت، أن الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في مارس الماضي، ساهمت على نحو كبير في حدوث تغيرات في أسعار الطاقة، والتي هي عصب الصناعة، وتشكل نسبة 70% من إجمالي عملية الإنتاج.
وأشار العضو المنتدب لشركة مصر بني سويف للأسمنت، أن الفحم يشكل مصدر أساسي لهذه الصناعة، وساهمت القفزة الأخيرة في سعره بالبورصات العالمية ليصل إلى 350 دولار بالطن بدلا من سعره قبل فبراير الماضي والذي كان 80 دولار، مؤكدا أن كافة تلك الأعباء تلقي بظلالها السلبية على صناعة الاسمنت وتهدد مصير كيانات هامة في السوق وتلحق خسائر بالجملة للمصنعين، ليس منذ اندلاع الحرب فقط بل من 2020 عند تفشي جائحة كورونا.
وأشار إلى قرار وقف تراخيص البناء ساهمت في زيادة التحديات وتراجع حجم المبيعات، نظرا لحالة الركود التي تجتاح السوق منذ 2020، في السوق العقاري، لذا فقد كانت المشروعات القومية المصدر الأساسي للصفقات التي تم ابرامها خلال العامين الماضيين.
واقترح فاروق مصطفي، بضرورة التفكير خارج الصندوق لاستعادة عافية القطاع مرة أخرى، من خلال زيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي كبديلا عن الفحم، والذي سيكون لها آثار إيجابية ليس فقط من الجانب المادي وخفض قيمة التشغيل على المصنعين بل يحد من آثار التلوث الناجمة عن استخدام الفحم كوقود أساسي في إنتاج الأسمنت، خاصة ان مصر تستعد لاستضافة مؤتمر هام في نوفمبر المقبل، لمواجهة التغيرات المناخية، لذا لابد من التوجه تدريجيا لإنتاج منتجات أسمنتية تستهدف في المقام خفض معدلات التلوث وتقليل انبعاث الكربون.