"فورين بوليسي": استضافة مصر لـ(COP27) ستضع إفريقيا بدائرة الضوء لإعادة ضبط التعاون العالمي


الاحد 24 يوليو 2022 | 03:34 مساءً
مؤتمر تغير المناخ
مؤتمر تغير المناخ
أ ش أ

أكدت مجلة (فورين بوليسي) أهمية استضافة مصر للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ (COP27)؛ إذ أنها ستضع إفريقيا أخيرا في دائرة الضوء، وستمثل فرصة مثالية لإعادة ضبط التعاون العالمي بشأن سياسة المناخ ودعم انتقال الطاقة في إفريقيا.

وقالت المجلة - في تقرير بعنوان (من أوروبا إلى إفريقيا.. استخدام الغاز من أجلي ولكن ليس لك) ـ "إن قمة المناخ المقبلة المقرر عقدها في مدينة شرم الشيخ نوفمبر القادم، تمثل الوقت المناسب للانتقال إلى نهج أكثر تعاونا يعامل كل بلد على قدم المساواة من خلال النظر في موارده واحتياجاته وأهدافه المتاحة".

وأوضحت أنه يمكن التركيز في مجال الطاقة على الاستثمارات الجديدة في مجال تمكين البنية التحتية لصالح مستقبل الطاقة النظيفة، مثل أنظمة نقل وتوزيع وتخزين الكهرباء وإدارة الشبكات، وأحدث تقنيات الغاز الطبيعي.

وتناولت المجلة، في تقريرها، تناقض السياسات الغربية تجاه استخدام الطاقة من المصادر الأحفورية؛ إذ تتجه الدول الغنية حاليا إلى العودة مرة أخرى إلى الوقود الأحفوري الأكثر تلويثا للبيئة في مواجهة نقص الطاقة وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء، بينما تمارس ضغوطا على الدول الإفريقية من أجل التخلي عن استخدام هذه المصادر بدعوى السياسات المناخية.

وقال التقرير، "إن ألمانيا على سبيل المثال، لجأت إلى إعادة تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، والتي كانت قد وضعت جدولا لإغلاقها؛ لمواجهة تباطؤ إمدادات الغاز الروسي ولتعويض إغلاق محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية".. مشيرة إلى أن بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج سرعت من عمليات إنتاج الغاز والبترول، كما لجأت بعض دول أوروبا إلى إعادة استخدام زيت الوقود لتوليد الكهرباء.

وأضاف أن هذه الإجراءات، التي تمثل عودة ظهور الطاقة كثيفة الكربون في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما ينتج عنها من ازدياد حجم الانبعاثات، تدلل على أنه عند تعرض النمو الاقتصادي وأمن الطاقة للخطر، ستختار الدول حمايتهما دائما على حساب السياسات المناخية، وهو ما أطلق عليه عالم السياسة روجر بيلك جونيور اسم "القانون الحديدي"، لافتا إلى أن الأزمة الحالية تعني أن أمن الطاقة سيكون على رأس الأولويات مرة أخرى، وأن الالتزامات المتعلقة بالمناخ يتعين تأخيرها.

وتابع: "على الرغم من أن هذه التغيرات تبدو منطقية في العواصم الأوروبية، إلا أن الحكم عليها يختلف عند النظر إليها من العواصم الإفريقية.. والسبب في هذا هو أن أحد جوانب التحول الأوروبي في مجال الطاقة كان تنويع إمداداتها من الغاز من خلال تأمين عقود طويلة الأجل في إفريقيا".

ودلل التقرير على هذا بممارسة المسئولين في ألمانيا الضغط على دولة السنغال من أجل الحصول على إمدادات الغاز، في حين تشير التقارير إلى أن إيطاليا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا يحصلون على الغاز من نيجيريا، إلى جانب عودة الاستثمارات الأوروبية المتوقفة في الغاز البحري في موزمبيق وتنزانيا فجأة إلى الساحة، كما أعلن الاتحاد الأوروبي رسميا، بعد تصويت المشرعين الأوروبين هذا الشهر، أن الغاز الطبيعي يعتبر ضمن الاستثمار الأخضر.

وبين التقرير أن الاهتمام الأوروبي الحالي بالغاز الإفريقي يأتي بعد سنوات طويلة من ضغوط مارستها حكومات الدول الغنية على إفريقيا للتخلي عن الوقود الأحفوري واستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فقط؛ إذ لا تدعم هذه الدول المشروعات الكبرى للطاقة الكهرومائية أو النووية لعدة أسباب.

وكانت الدول المتقدمة قد تعهدت، خلال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP26) في نوفمبر الماضي، بوقف التمويل التنموي الخارجي لمشاريع الغاز، مما قد يحد من الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك توليد الكهرباء وإنتاج الأسمدة، وكذلك فإن بعض الحكومات الغربية تضغط على البنك الدولي ومؤسسات التنمية الأخرى لوقف تمويل جميع مشاريع الوقود الأحفوري، حيث اقترحت النرويج والسويد وغيرهما حظرا تاما بحلول نهاية عام 2024.

ورأت "فورين بوليسي" أن الدول الغنية قررت أن حالة الطوارئ الحالية المتعلقة بالطاقة تسمح لها بإحراق ما تحتاجه من أنواع الوقود الأحفوري في حين لا يُسمح للدول الفقيرة بهذا الاختيار على الإطلاق، موضحة أن هذه السياسات تبدو من وجهة نظر العواصم الإفريقية وكأنها "نفاق واضح أو أسوأ من ذلك"، إذ انتقد زعماء أوغندا ونيجيريا وملاوي والسنغال موقف أوروبا، كما تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي الإفريقية بالغضب مما يعتبره الكثيرون مؤامرة استعمارية جديدة لإبقاء الأفارقة فقراء، بحسب ما أوردت المجلة الأمريكية.

وأشار التقرير إلى أن مبدأ "استخدام الغاز من حقي وليس لك" الذي تنتهجه الدول الغنية تجاه الدول الفقيرة، لا يمثل فقط رؤية سيئة بل سياسة سيئة كذلك؛ إذ أن وضع أمن الطاقة الغربي كأولوية مع محاولة إجبار الأفارقة على منح الأولوية للحد من الانبعاثات يؤدي إلى نتائج عكسية في الوصول إلى الأهداف الاقتصادية والجيوستراتيجية وحتى المناخية.

واعتبر أن المعركة الحالية حول استخدام الغاز في إفريقيا هي معركة غير ضرورية على الإطلاق؛ فمستقبل القارة السمراء في مجال الطاقة يتمثل في مصادر الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة بجانب بعض الاستخدامات المتواضعة للغاز في مولدات الطاقة الاحتياطية والطهي وبعض الصناعات، مثل إنتاج الأسمدة.

وبين أن محطات توليد الطاقة في كينيا وإثيوبيا وأوغندا تعتمد بنسبة تتخطى الـ80% على مصادر طاقة متجددة مقارنة بـ20% فقط في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن مصادر الطاقة المتجددة تسيطر على المشهد حتى في الاقتصاديات التي تمتلك مصادر غاز كبيرة، فخطة الطاقة المحلية في نيجيريا 2060 تستهدف إنتاج 200 جيجاوات من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية مقارنة بـ10 جيجاوات من طاقة الغاز.

وأكد التقرير أنه لا يوجد سيناريو مستقبلي معقول يشير إلى أن استخدام إفريقيا للغاز سيؤثر على حجم الانبعاثات العالمية؛ موضحا بالقول "إذا فرضنا أن إفريقيا جنوب الصحراء (باستثناء دولة جنوب إفريقيا) ضاعفت استهلاك الكهرباء ثلاث مرات بين عشية وضحاها باستخدام الغاز فقط، وهو أمر غير ممكن، فإن الانبعاثات الإضافية ستساوي 0.62% فقط من الانبعاثات العالمية، فإفريقيا تتبنى بالفعل الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ولن يكون حجم استخدامها للغاز في المستقبل مؤثرا على المستوى العالمي".

وتابع: "أنه في حين أن هناك القليل من المكاسب من الضغط الغربي على إفريقيا في تمويل الغاز، فإن سياسات الدول الغنية تأتي مع سلبيات هائلة، إذ سيؤدي فرض حظر على تمويل الغاز إلى الإضرار بالتنمية الاقتصادية، وهو ما سيؤثر بالضرورة على عملية التحول إلى الطاقة المتجددة".

كما أوضح أنه بينما تعد إمكانات الهيدروجين وأنواع الوقود الأخضر الجديدة الأخرى مثيرة للاهتمام، فإن صناعات مثل إنتاج الأسمدة ستحتاج إلى الغاز في المستقبل المنظور، مؤكدا أن عرقلة مسارات التنمية في إفريقيا من أجل سياسة المناخ هي في الحقيقة خسارة لا تتضمن أي مكاسب.

وأضاف التقرير أن من بين سلبيات السياسات الغربية تجاه الطاقة في إفريقيا، أن هذه القيود تقوض الأهداف الجيوستراتيجية للغرب في القارة، فخلال العقدين الماضيين كافح الغرب في الرد على نمو حصة الصين في التمويل والمشاركة في البنية التحتية الإفريقية، مشددا على أن مجال الطاقة يمثل فرصة هائلة، خاصة الاستثمارات المتعلقة بخلق الوظائف أو بناء قدرات صناعية.

ولفت إلى أنه على الرغم من أن الشركات المهيمنة على النفط والغاز العاملة في إفريقيا هي شركات غربية (أمريكية، فرنسية، بريطانية، نيرويجية، إيطالية)، وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإفريقيا، إلا أن هذه الدول نفسها هي التي تقود دعوات الحد من الاستثمار في قطاع النفط والغاز وكافة الصناعات المرتبطة به، والتي تمثل جزءا كبيرا واستراتيجيا من الاقتصاد.

واختتم تقرير "فورين بوليسي" بالقول "إنه من وجهة النظر الإفريقية، يبدو وكأن الغرب يفضل بقاء إفريقيا كمُصدر للمواد الخام منخفضة التكلفة بدلا من تنمية صناعات القارة"، مشيرا إلى أن الكثير من الدول الإفريقية ترى الصين الشريك الأوحد المهتم فعلا بمساعدة القارة في بناء مستقبل أفضل.

تجدرة الإشارة إلى أن مصر ستستضيف الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ (cop27) خلال الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر 2022، والذي يقام بمدينة شرم الشيخ، ويمثل فرصة مهمة للنظر في آثار تغير المناخ في إفريقيا.