تسعى مصر مؤخرا إلى جذب الاستثمارات الأجنبية مباشرة إلى الاقتصاد الداخلي، في محاولة لتقليل الاعتماد على الأموال الساخنة، بعدما أدت الاضطرابات العالمية والتوترات الجارية إلى خروج أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات أدوات الدين من مصر خلال 4 أشهر.
تأتي هذه التحركات في ظل تفاقم الضغوط الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتي أثرت على اقتصاديات العالم كافة، وظهر التأثير جليا على جميع الأسواق الناشئة، من بينها مصر، ولم يظهر التأثير على مصر في خروج استثمارات المحافظ الأجنبية فحسب، بل أيضا شمل الضغط على العملة المحلية والتي انخفضت بأكثر من 17% أمام الدولار منذ مارس الماضي.
الضغط على العملة المحلية كان حجر الزاوية الذي انطلقت منه التحركات نحو التركيز على الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفقا لتقرير أعدته «cnbc».
الفجوة التمويلية الناتجة عن استيراد القمح والنفط تقدر بحوالي 10.2 مليار دولار، بحسب حديث محمد معيط وزير المالية لـ CNBC عربية، منتصف الشهر الجاري.
وأظهر تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، تراجع نصيب مصر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 12%، إذ هبطت من 5.8 مليار دولار في عام الجائحة، إلى 5.1 مليار دولار في عام 2021.
دفعت هذه العوامل الحكومة المصرية إلى إعلان خطة واضحة نحو جلب استثمارات تقدر بنحو 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، إضافة إلى تعهدات دول: السعودية والإمارات وقطر، بضخ مليارات الدولارات في مفاصل الاقتصاد المصري في صورة ودائع واستثمارات مباشرة.
وتستعد مصر في عامها المالي الجديد إلى تفعيل وثيقة سياسة ملكية الدولة عبر تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص بنحو 10 مليارات دولار سنوياً كجزء من الـ 40 مليار المستهدفة، هذا إلى جانب طرح بعض أصولها في البورصة المصرية، وفي محادثاتها مع الصندوق النقد الدولي حاليا، تسعى لاجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة.
وترجمت أولى خطوات مصر نحو جذب استثمارات في توقيع 14 اتفاقية استثمارية مع السعودية بقيمة 7.7 مليار دولار خلال الأسبوع الماضي، وشملت الاتفاقيات قطاعات رئيسية منها الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والزراعة والتكنولوجيا وصناعة الأدوية.
وتعتزم المملكة العربية السعودية قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار في مصر، وكان لمجموعة عجلان وإخوانه القابضة النصيب الأكبر في هذه الاتفاقيات.
وأيضا كان للإمارات نصيب من الدعم وضخ حزمة من الأموال المباشرة في مصر، وذلك عبر استحواذ "القابضة الإماراتية ADQ" على حصص في 5 شركات مقيدة في البورصة المصرية بقيمة 1.82 مليار دولار في أبريل الماضي.
إلى جانب إطلاق كل من مصر والإمارات والأردن شراكة صناعية تكاملية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في 5 مجالات صناعية واعدة تشمل الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات.
وتخصيص صندوق استثماري تديره شركة "القابضة" ADQ بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المتفق عليها.
وفي نفس الاتجاه، تقترب قطر من ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار خلال الفترة القريبة المقبلة، بعدما تبادل مسئولون حكوميون الزيارات، وكان آخرها زيارة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، إلى مصر، يومي الجمعة والسبت الماضيين.
الفائدة والأموال الساخنة
جاء البنك المركزي المصري في الأسبوع الماضي، ليخالف التوقعات ويبتعد عن مضمار رفع الفائدة، ليثبت أسعار الفائدة كما هي دون أي تغيير في ثالث اجتماع للعام، بعدما رفع الفائدة 3% منذ بداية العام وحتى الآن، كانت الأولى في مارس الماضي بواقع 1% وفي اجتماع استثنائي، والثانية كانت في مايو وكانت بواقع 2% دفعة واحدة.
إذا كان ما يشغل البنك المركزي الحفاظ على جاذبية الجنيه المصري فسيقوم برفع الفائدة، هكذا كان مبررات محللي بنوك استثمار، إذ تبحث الأموال الساخنة دائماً عن معدلات الفائدة المرتفعة، لكن على ما يبدو وتأكيداً على سياسة الحكومة المصرية نحو التركيز على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ثبت البنك المركزي المصري الفائدة، رغم موجة رفع اتخذتها باقي البنوك المركزية.
وعلى صعيد متصل، تُجري الدولة سلسلة من المناقشات حاليا مع مجتمع الأعمال حول وثيقة ملكية الدولة، وتنوي مصر التخارج من عدة أنشطة أو خفض استثماراتها بها منها قطاع النقل والتعدين والطاقة، والاتصالات والأنشطة الزراعية والصناعات التحويلية وتجارة التجزئة والتشييد والبناء.
وتتضمن آليات التخارج طرح الأصول المملوكة للحكومة المصرية من خلال البورصة، إما عبر طرح كلي أو جزئي في البورصة، خلال مدى زمني قدرته الحكومة بنحو 3 سنوات.
تحاول الحكومة المصرية اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة، ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي من 30% حالياً إلى 65% خلال 3 سنوات، إضافة إلى رفع معدل الاستثمار إلى ما يتراوح بين 25% و30%؛ وبما يسهم فى زيادة معدل النمو الاقتصادي إلى ما بين 7% إلى 9%.
ولا يقتصر الأمر على تخارج الحكومة المصرية من العديد من الأنشطة فحسب، بل هناك عديد من الحوافز الاستثمارية، مثل تيسير إجراءات حصول المستثمرين على الأراضي اللازمة لتنفيذ المشاريع، وتزويدها بكافة المرافق، هذا بالإضافة إلى منح الرخص الذهبية للمشروعات التنموية الكبيرة.
بحسب آخر إحصائيات متوافرة للهيئة العامة للاستثمار، فقد بلغ عدد الشركات التي تم تأسيسها في مصر خلال أول 4 أشهر من العام الماضي، نحو 9434 شركة مقارنة بحوالي 6778 شركة خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة زيادة تقدر بنحو 39.2%.
وتنفذ مصر حاليا برنامج الإصلاح الهيكلي والذي انطلق شهر أبريل 2021، وهو يستهدف وضع حزمة من السياسات التي ستعتمد عليها في إصلاح هيكل الاقتصاد، وتحرير التجارة، وإصلاح منظومة التدريب المهني، وتطوير أسواق المال، إلى جانب الإصلاحات التي ستتم في سوق العمل المصري.
يركز هذا البرنامج على مجموعة من القطاعات: الصناعات التحويلية، والزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وزيادة مساهمتهم في الناتج المحلي الإجمالي البالغة 26% في العام المالي 19/2020، إلى ما بين 30-35% في العام 23/2024.
يتضمن البرنامج أيضاً زيادة الاستثمارات المتدفقة في هذه القطاعات، وزيادة استثماراتها وكذلك صادراتها، إذ تنوي الحكومة المصرية إلى زيادة حصة صادرات المنتجات الإلكترونية والأجهزة التكنولوجية الحديثة ومضاعفة صادرات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لتصل إلى 8 مليار دولار عام 2024.
وتستهدف مضاعفة حصة صادرات القطاع الزراعي في الصادرات لتصل إلى 25% في 2024، وكذلك زيادة صادرات الصناعية ذات المكون التكنولوجي المرتفع من إجمالي الصادرات الصناعية بمعدل لا يقل عن 20% سنويًا، وزيادة نصيب الصادرات الصناعية ذات المكون التكنولوجي المتوسط من إجمالي الصادرات الصناعية بمعدل لا يقل عن 10% سنويًا، مع زيادة تنافسية صادرات القطاع الصناعي من خلال زيادة صادرات السلع الصناعية كمكون من إجمالي الصادرات بمعدل سنوي لا يقل عن 15%.