لبنان إلى أين؟.. الأزمة المالية ومحاصرة بيروت.. الأسباب والحلول؟


هل خلاف النخبة السياسية والمالية في لبنان قد يفسد خطة النجاة؟

الثلاثاء 26 ابريل 2022 | 04:44 مساءً
الأزمة المالية ومحاصرة بيروت.. الأسباب والحلول
الأزمة المالية ومحاصرة بيروت.. الأسباب والحلول
محمد عاشور

تراجع الناتج المحلي الإجمالي اللبناني نتيجة التدهور الاقتصادي بنسبة 3.8 % عام 2019، في ظل توقعات بزيادة نسبة الانكماش إلى 4.7 % هذا العام، خصوصاً بعد أن اتساع نسبة العجز المالي، وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 166 %، إذ بلغ الدين العام للبلاد ومعظمه في حوزة البنوك اللبنانية، 89.5 مليار دولار في نهاية نوفمبر 2019.

رغم كل هذا، حال الانقسام السياسي، والخلافات في وجهات النظر دون إقرار إصلاحات مطلوبة، لا سيما مشروع قانون تقييد الودائع المعروف بـ«الكابيتال كونترول»، في الوقت الذي تحتاج فيه الحكومة اللبنانية الجديدة إلى المضي قُدماً في الإصلاحات المالية التي تعالج الاختلالات الهيكلية، والتقليل من هدر الأموال من قبل شركة الكهرباء الرئيسية التي تستنزف حوالي ملياري دولار سنويًا.

ويعاني اللبنانيون منذ أكثر من عامين من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، بجانب شح في الوقود والأدوية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

أربعة ملفات مالية أساسية

نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء اللبناني، دعا، في وقت سابق، البرلمان إلى إقرار أربعة ملفات مالية أساسية يطلبها صندوق النقد الدولي، قائلاً: «لا يمكن وضع لبنان على سكة التعافي من دون إقرار أربعة ملفات مالية أساسية في مجلس النواب بشفافية مطلقة يطلبها صندوق النقد الدولي»، وفقاً لبيان الحكومة.

وقال ميقاتي خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء، إن هذه الملفات هي الموازنة العامة، وقانون «الكابيتال كونترول»، وموضوع السرية المصرفية، وإعادة هيكلة المصارف، وهي من الأمور التي يطلبها صندوق النقد الدولي، معتبراً أن المعارضة التي نسمعها في ملف الكابيتال كونترول، أهدافها شعبوية قبل الانتخابات البرلمانية، التي من المقرر أن تجرى في 15 مايو المقبل، لكنها ستتسبب بالمزيد من المشاكل.

وتابع رئيس الوزراء: «كان يُفترض أن يُقر هذا القانون في اليوم التالي لبدء الأزمة المالية في لبنان، لكن التأخير في البت به مستمر».

رفع السرية المصرفية

تلبية للطلبات الدولية التي تم التوافق على التزامها من السلطات اللبنانية، يتجه لبنان نحو التخلي عن نظام «السرية المصرفية» الذي يعتمده منذ أكثر من 60 عامًا، تمهيدًا لتحويل صيغة الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي إلى برنامج تمويلي بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 4 سنوات.

جاء هذا بعد أن التقى وزير المالية اللبناني المعيّن غازي وزني، مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

محمد فحيلي، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد، يقول إن التخلي عن قانون السرية المصرفية من أسهل الشروط في الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي.

من المستفيد من رفع السرية؟

خلال تصريحات صحفية، أشار فيحلي إلى أن الفاسد هو المستفيد الأول من قانون السرية المصرفية، ويأتي في الدرجة الثانية الأحزاب السياسية والميليشيات خلال وفي مرحلة ما قبل الحرب الأهلية في لبنان لأن المصارف كانت، وما زالت، تستقبل الودائع وتمتثل لقانون السرية المصرفية، ولن يكون عندها صعوبة بالامتثال لأي تعديلات للقانون.

وأوضح أن المتغيرات التي حصلت في مجال العمل المصرفي عالميًا، خففت من حصانة هذا القانون، ولم يعد المحرك الأساسي وراء توجه الأموال نحو المصارف اللبنانية لأن نهضة الودائع في القطاع المصرفي اللبناني ليست بفضل السرية المصرفية.

أما عن الصعوبات التي تعترض تطبيق التخلي عن السرية المصرفية، قال فحيلي إن التخلي عن قانون السرية المصرفية في لبنان «ليس بالشيء المستحيل»، وقد شرع لبنان في التخلي عنها عام 1996 من خلال (اتفاقية الحيطة والحذر) الموقعة بين جمعية مصارف لبنان وإدارات المصارف بمواكبة شركات تدقيق عالمية وتحت أعين لجنة الرقابة على المصارف ونقابة المحاسبين المجازين.

زيادة العائدات

في 7 أبريل الجاري، أعلن صندوق النقد توصله إلى اتفاق مبدئي مع بيروت لتمويل بقيمة 3 مليارات دولار يُصرف على مدى 4 سنوات، وفق برنامج يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الاستدامة المالية، وقال معهد التمويل الدولي إنه بالتزامن مع مكافحة التهرب الضريبي، تحتاج الحكومة إلى زيادة العائدات مع تقليل التأثير على الفقراء.

جاء هذا في وقت أشاد فيه القادة اللبنانيون بالاتفاق المبدئي، وقالوا إنهم مستعدون لإنجاحه، لكن محللون كثيرون شككوا في إقدام الأطراف المتعنتة بلبنان على إصلاحات ظلت تجد طويلًا عزوفًا في الاتفاق عليها.

وقال فحيلي، في وقت سابق، إن قراءة الحكومة اللبنانية للأزمة المصرفية والاقتصادية لا تسير بالاتجاه الصحيح، وأن المصرف المركزي لديه أصول تمكنه من إنقاذ الاقتصاد اللبناني، إلا أن هناك أزمة سيولة.

وتابع: «نفس الأمر بالنسبة للمصارف التجارية لديها أصول ضخمة، لكن في نفس الوقت تعاني من نقص السيولة، مشيراً إلى طريقة لإعادة تنظيم هذه السيولة لمنع الاختناق الاقتصادي، وتساعد الأفراد في تمويل فاتورة الاستهلاك، كما تساعد المؤسسات لتمويل النفقات التشغيلية».

جمعية مصارف لبنان وخطة التعافي

جمعية مصارف لبنان، رفضت أحدث مسودة لخطة التعافي المالي الحكومية، مشيرة إلى أنها كارثية كونها تلقي القسم شبه الكامل من الخسارة التي نتجت عن السياسات التي اعتمدتها الدولة على عاتق البنوك والمودعين، وتقدر الحكومة خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار.

اتفاق صندوق النقد الدولي، يُنظر إليه على أنه سبيل لبنان الوحيد لبدء الخروج من الانهيار المالي والاقتصادي الذي يمثل أكبر أزمة قوضت استقراره منذ الحرب الأهلية التي دارت خلال عام 1975 إلى 1990، كما يُنظر إلى الانتخابات التشريعية على أنها عقبة أخرى أمام تنفيذ الاتفاق، وبعد الانتخابات يتعين تشكيل حكومة جديدة، العملية التي تمتد عادة لشهور طويلة.

أما النخبة السياسية والمالية في لبنان، فقد ظلت على خلاف حول مثل هذه الخطة لمدة عامين، لا سيما مسألة كيفية توزيع حوالي 70 مليار دولار من الخسائر بين البنوك والدولة والمودعين، ودخلت خطة التعافي المالي ومعها مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي في مأزق، إثر إعلان جمعية المصارف في لبنان عن رفض الخطة «جملة وتفصيلًا».

وأعلنت جمعية «مصارف لبنان»، في بيان أنه بعد اطلاعها على خطة التعافي المعروضة من الحكومة اللبنانية والآيلة إلى تحميل المصارف والمودعين، القسم شبه الكامل من الخسائر التي نتجت عن السياسات التي اعتمدتها الدولة بحكوماتها المتعاقبة ومصرف لبنان، ترفض هذه الخطة الكارثية والمخالفة للدستور اللبناني، ولسائر القواعد القانونية المرعية الإجراء.

الحكومة اللبنانية قدرت خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار، وقالت الجمعية إنها كلفت مستشاريها القانونيين دراسة وعرض الإجراءات القضائية الكفيلة بحماية وتحصيل حقوق المصارف والمودعين، بعدما رفضت جمعية مصارف لبنان مسودة سابقة للخطة في فبراير.

وقالت الجمعية إنها ستؤدي إلى فقدان الثقة في القطاع المالي، كما رفضت أيضًا مسودة الخطة الجديدة، ويُعد هذا الموقف التصعيدي، أول إعلان رسمي صادر عن الجمعية تؤكد فيه موقفها من خطة لم تُعلن رسمياً، ولا تزال مسودة وجرى تسريبها.

لكن، الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فقد طرفًا أساسيًا كان معنيًا في التفاوض معه للتوصل إلى خطة تضع لبنان على سكة التعافي من أزماته الاقتصادية والمالية والمعيشية، ولم يعد الفريق اللبناني موحداً، خلافًا لشرط صندوق النقد الذي طلب من السلطات اللبنانية، أن يشمل أي اتفاق معه رسميًا، السلطتين التشريعية ممثلة بالبرلمان، والتنفيذية ممثلة بالحكومة، كما يشمل الفئات الاقتصادية والاجتماعية، وتتمثل تلك بالقطاع الخاص والمجتمع المدني، وأيضًا المصارف والهيئات الاقتصادية والفئات الشعبية.

ولا تعد موافقة جمعية المصارف ضرورية لكي تبدأ الحكومة تنفيذ الخطة، لكن الخبراء يؤكدون أن دعمها من القطاع المصرفي يمكن أن يساهم في حل الأزمة، وتضع المسودة الحالية سلسلة من الإصلاحات المالية، تشمل إصلاح القطاع المصرفي ووضع حدود قصوى للمبالغ التي يمكن للمودعين استعادتها من حساباتهم.

جلسة اللجان المشتركة

وقالت مصادر مواكبة لملف التأزم المتزايد حول خطة التعافي المالي والإجراءات التشريعية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي لتنفيذ الاتفاق المبدئي، وأن الأنظار تتجه إلى جلسة اللجان المشتركة في البرلمان، اليوم الثلاثاء، لمعرفة المخارج المطروحة في ظل الصدام المتزايد، ودخول لبنان في مآزق على كل الجبهات.

وتوقعت أن الجلسة التي قد تكون الأخيرة قبل الانتخابات النيابية وانتهاء ولاية مجلس النواب الحالي، «تمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي».

في هذا السياق، أكد إبراهيم كنعان، رئيس لجنة المال والموازنة أن المطلوب هو إقرار «الكابيتال كونترول» شرط أن يتوافق مع رؤية إنقاذية للبلد تتضمن كل الإصلاحات.

فيما قال معهد التمويل الدولي إن لبنان يحتاج إلى حزمة إنقاذ بقيمة 8.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، من أجل الخروج من المأزق الاقتصادي الحالي وتلبية احتياجات التمويل المستقبلية واستعادة النمو.

إطار للتوحيد المالي

قال جاربيس إراديان، كبير الاقتصاديين في مؤسسة التمويل الدولية في تقرير: «يمكن لبرنامج صندوق النقد الدولي توفير إطار للتوحيد المالي والإصلاحات الهيكلية اللازمة لمعالجة أوجه القصور في الاقتصاد، في حين يعتمد حجم تمويل صندوق النقد الدولي على احتياجات التمويل، فإننا نقدر أن صندوق النقد سيحتاج إلى توفير وصول استثنائي إلى لبنان بما يتماشى مع برامجه الأخيرة، مثل الأرجنتين وأيسلندا، وتنتشر على مدى ثلاث سنوات».

وتابع: «يمكن للبرنامج المدعوم من صندوق النقد الدولي أن يحفز التمويل الإضافي من المصادر الثنائية والمتعددة الأطراف التي تبلغ قيمتها حوالي 3 مليارات دولار بالإضافة إلى قروض سيدر الميسرة».

وقال إراديان إن ضوابط رأس المال يجب تخفيفها مع تحسن الوضع المالي، وتحتاج البلاد التي تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية، والتي استمرت 15 عامًا في عام 1990، إلى تنفيذ مجموعة من الإصلاحات واتخاذ تدابير إضافية لتلبية احتياجاتها التمويلية البالغة 24 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفقًا لمعهد التمويل الدولي.

وقالت المنظمة إن خفض أسعار الفائدة التي ينفذها البنك المركزي اللبناني والبنوك التجارية على الودائع والقروض والدين العام أمر إيجابي، مضيفة أن العمل المستمر على هذه القضية يمكن أن يحسن سيولة البنوك ويعزز الثقة ويشجع الاستثمار ويخفف من تأثير التعديل المالي.

فيما قال معهد التمويل الدولي إنه يمكن تعزيز صحة البنوك اللبنانية من خلال إعادة الرسملة، بينما تحتاج خصخصة أصول الدولة إلى أن تكون جزءًا لا يتجزأ من الخطة الاقتصادية للحكومة.

وبغض النظر عن شركة كهرباء لبنان الرئيسية EDL، يمتلك البنك المركزي اللبناني، شركة طيران الشرق الأوسط التابعة للدولة، والتي تم تأجيل خصخصتها بشكل متكرر، والبنك المركزي الذي يمتلك أيضًا كازينو لبنان، ويمكن أن تشمل الأصول الأخرى التي يمكن خصخصتها مطار بيروت وميناء بيروت البحري واليانصيب الوطني ومشغلي الاتصالات.

عبء الديون المتراكمة

قال معهد التمويل الدولي إنه يتعين على الحكومة اللبنانية، من أجل معالجة عبء ديونها المتراكمة، أن تنظر في اتخاذ تدابير تشمل تمديد وتمديد أجل استحقاق مكون العملة المحلية من الدين، الذي يمثل نحو 62 % من إجمالي الديون في نهاية عام 2019.

لبنانلبنان

وقال إن السندات المستحقة السداد يمكن استبدالها بالسندات السيادية الجديدة الطويلة الأجل، وربما بعائدات منخفضة في سياق برنامج صندوق النقد الدولي.

هذا، ويحتاج لبنان إلى دفع 1.2 مليار دولار مستحقة في مارس عندما تصل سندات اليورو إلى أجل الاستحقاق، و700 مليون دولار أخرى مستحقة في إبريل، و600 مليون دولار في يونيو، وزادت الأزمة العائد على سندات البلاد ثلاثة أضعاف.

وتمكن لبنان من الهروب من الأزمة الائتمانية العالمية لعام 2008، التي لم تتأثر نسبيًا بسبب نظام سعر الفائدة المرتفع الذي جذب أكثر من مليار دولار شهريًا من تدفقات رأس المال التي مولت العجز المالي والحسابي الجاري، وتباطأت الأزمة الاقتصادية في تدفق الأموال وأدت إلى نمو سلبي للودائع لدى المقرضين اللبنانيين.

وبالتالي، فقدت العملة ثلث قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء ويتم تداولها الآن بحوالي 2000 جنيه أو ليرة للدولار، أعلى من 1500 ربط.