توقعت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، الخميس، خفض الصندوق توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي خلال عامي 2022 و2023، إلا إن النمو بالنسبة لمعظم الدول سيظل في النطاق الإيجابي.
وقالت مديرة الصندوق، في كلمة بخطاب "رفع الستار" ضمن اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن الحرب الروسية الأوكرانية أضافت أزمة قوية على الأزمة العالمية التي يُعانيها العالم منذ تفشي جائحة كوفيد-19 في 2020، لتدفع بآثارها السلبية نحو المساهمة في خفض التوقعات الاقتصادية لـ143 دولة حول العالم، ما يُمثل 86% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
ونوهت جورجيفا، إلى أن الانتعاش العالمي كان قد بدأ يفقد زخمه بالفعل قبل الحرب على أوكرانيا، وعزت ذلك جزئيًا إلى الاضطرابات المرتبطة بمتحور أوميكرون، فقد خفض الصندوق توقعاته للنمو العالمي إلى 4.4% لعام 2022، ومنذ ذلك الحين تدهورت التوقعات بشكل كبير بسبب الحرب وتداعياتها، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم والتشديد المالي وعمليات الإغلاق واسعة النطاق والمتكررة في الصين، والتي تُحدث اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية.
وقالت جورجيفا، إن أزمة الحرب في أوكرانيا - المُدمر للاقتصاد الأوكراني - أضافت للعالم أزمة جديدة ألا وهي أزمة الغذاء العالمي لتزيد من الاضطرابات التي تُعاني منها دول العالم وتُرسل صدمات اقتصادية في كافة أنحاء العالم، ونجم عن الحرب عواقب اقتصادية بعيدة المدى لتُصيب مختلف الدول حول العالم بالضعف الاقتصادي، وفي ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ولأول مرة منذ سنوات عديدة أصبح التضخم خطرًا واضحًا وقائمًا في العديد من الدول حول العالم.
وأوضحت جورجيفا، أنه عند قراءة الوضع الاقتصادي الحالي فمن الناحية الاقتصادية أصبح النمو ينخفض حول العالم وترتفع معدلات التضخم، بينما من المنظور الإنساني ما نشهده حاليًا هو انخفاض في دخل الأفراد وزيادة المصاعب التي يواجهونها في حياتهم اليومية.
وأضافت جورجيفا، أن هذه الأزمة المزدوجة ما بين الجائحة والحرب وقدرتنا على التعامل معها تزداد تعقيدًا بسبب تزايد خطر آخر، ألا وهو تجزئة الاقتصاد العالمي إلى كتل جيوسياسية بمعايير تجارية وتقنية مختلفة وأنظمة دفع وعملات احتياطية مختلفة، منوهة بأن هذا التحول سيتسبب في الإضرار بسلاسل الإمداد والتوريد والبحث والتطوير وشبكات الإنتاج، وستتحمل في النهاية البلدان الفقيرة وطأة هذه الاضطرابات.
ونبهت جورجيفا، إلى أن هذا التدهور في الحوكمة العالمية هو أخطر تحد للقواعد التي حكمت العلاقات الدولية والاقتصادية لأكثر من 75 عامًا، وساعدت في تحقيق تحسينات كبيرة في مستويات المعيشة لجميع الدول حول العالم، فهو يضعف بالفعل قدرتنا على العمل معًا لحل الأزمتين التي نواجههما.
ونبهت مدير الصندوق، إلى أنه قبل الحرب، قدمت روسيا وأوكرانيا 28% من صادرات القمح العالمية؛ حيث قدمت روسيا وبيلاروسيا 40% من صادرات البوتاس، وهو سماد حيوي، فيما تشهد أسعار الحبوب الآن بعد الحرب ارتفاعًا في أسعار الحبوب والذرة، ويخبرني القادة في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط أن الإمدادات آخذة في الانخفاض.
وأوضحت جورجيفا، أن أسعار الغذاء والطاقة إلى جانب مشكلات سلاسل التوريد تستمر في دفع التضخم إلى الارتفاع، فقد وصل التضخم بالفعل إلى أعلى مستوى له في أربعة عقود بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، ومن المتوقع أن يظل مرتفعًا لفترة أطول مما كان متوقعًا في السابق.
وشددت جورجيفا، على أن العالم يواجه ضرورة حقيقية وأولوية عاجلة وهي ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا والتصدي للجائحة ومعالجة أزمة الديون والتضخم، مؤكدة على أن التجربة العالمية تُظهر لنا أن الصراعات والحروب هي العدو الدائم للتنمية والازدهار؛ فقد أصابت التكلفة الباهظة للحرب الشلل للعديد من البلدان، لذا يجب علينا بذل كل ما في وسعنا لمساعدة أوكرانيا وجميع الدول المتضررة.
وحذرت مديرة صندوق النقد، من الارتفاع المتزايد لمعدلات التضخم بوصفه تهديد للاستقرار المالي وضريبة على الأشخاص العاديين الذين يكافحون لتغطية نفقاتهم، ففي العديد من الدول، أصبح هذا مصدر قلق رئيسي، وأصبح هناك أيضًا خطرًا متزايد من أن تُصبح توقعات التضخم غير ثابتة، مما قد يجعل التضخم أكثر رسوخًا ويصعب السيطرة عليه.
وفي مواجهة هذا التحدي، يجب على البنوك المركزية أن تتصرف بشكل حاسم وأن تُعدل السياسة المالية بشكل يتناسب مع المعدلات الحالية، فيما تواجه الاقتصادات الناشئة والنامية مخاطر إضافية تتمثل في التداعيات المحتملة للتشديد النقدي في الاقتصادات المتقدمة، ليس فقط من حيث ارتفاع تكاليف الاقتراض ولكن أيضًا مخاطر تدفقات رأس المال الخارجة.
ولكن حتى مع المساعدة، يواجه العديد من صانعي السياسات المهمة الصعبة المتمثلة في معالجة الديون المتزايدة، وهذا هو السبب في ضرورة إعطاء الأولوية للإنفاق بعناية على شبكات الأمان والصحة والتعليم وتوجيهها إلى الفئات الأكثر ضعفًا.
وبالنسبة لبعض البلدان، خاصة بين 60% من الدول منخفضة الدخل التي تعاني بالفعل من ضائقة ديون أو تقترب من ذلك، ستكون هناك حاجة إلى إعادة هيكلة الديون.
واختتمت مديرة صندوق النقد الدولي كلمتها بقولها إن العلاج الوحيد الفعال للمخاطر التي تواجه العالم الآن هو التعاون الدولي، إنه أملنا الوحيد في مستقبل أكثر إنصافًا وأكثر قدرة على الصمود.