الأحداث المترامية والمتتالية دائمًا ما تخلق قصصًا قد يتوقع البعض نتائجها وفقًا للمعطيات وسردها بترتيب متناغم، أو تتغير نتائجها وفقًا للمتغيرات غير المتوقعة من ضبابية البيان، وخلال الفترة الحالية يمر العالم بأزمة تضخمية طاحنة لا نعلم مدها، وما ستسفر عنه من أحداث.
الأحداث المتوالية جعلت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد عالمى فى حالة مضض وغبن دائمين، وبعد أن ارتفعت نسب البطالة لأعلى مستوياتها، واقتراب معدلات التضخم لنحو يلامس الـ 10% لأول مرة منذ أكثر من 40 عامًا، وهذا نتيجة للإجراءات التى تم اتخاذها للحد من انتشار كورونا، بالتوازى مع نقص الانتاج من الموارد التى يعتمد عليها الاقتصاد بشكل كلى.
الحرب الروسية الأوكرانية هل ستكون بداية لسياسة جديدة للعالم
العالم دخل مرحلة الخطر نتيجة لنقص الانتاج وزيادة تكلفة سلاسل الإمداد مقابل الإقبال الكبير على الطلب، بعد أن وضع خطة لاستعادة عافيته مرة أخرى، بترتيب أوراقه لترميم ما تم هدمه جراء نكبات فيروس كورونا، إلا أن القدر كان له كلمة أخرى ليفاجىء بقرار «الفجر» ليستيقظ على دانات الحرب وطلقات المدافع والصواريخ المتعددة التى اندلعت من روسيا على أوكرانيا، جعلت الدول فى حالة صمت لعدم قدرتها على قراءة الموقف وعدم التكهن بما تسفر عنه الأيام نتيجة للتوترات السياسية، جلعتها تفكر فى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، بدأ تاثيرها بعد أقل من 15 يومًا من اندلاع الحرب.
الحرب الروسية الأوكرانية تحدد العالم اقتصاديًا وسياسيًا، على الرغم فرض عقوبات اقتصادية عليها بعد موافقة عدد كبير من الدول، إلى أن هناك دولًا أرغمت على الموافقة أبرزها ألمانيا نتيجة لاعتمادها على الغاز الروسى، وهناك دولًا امتنعت بنحو 35 دولة عن التصويت على هذه العقوبات داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، لما تنتج عنه تلك العقوبات من خراب اقتصادى على بلدانهم لاعتمادهم على الغاز الروسى، كان أبرزها الجزائر والعراق والسودان، نتيجة للعلاقات الطيبة بين تلك البلدان وروسيا، وقامت 5 دول بالاعتراض على العقوبات منها دولة إفريقية هى أرتيريا نتيجة للتوسع العسكرى الروسى بها، وتحررها من العقوبات الدولية التى تم فرضها على النظام الحاكم بارتيريا منذ 2011،
الدولة الثانية هى سوريا وهى الدولة العربية الوحيدة التى رفضت تلك العقوبات نتيجة للعلاقات القوية بين البلدين منذ الموقف الخاص بالاتحاد السوفيتى عام 1948 باحقية استقلال سوريا من العدوان الفرنسى،
وتاتى الصين الحليف الأكبر لروسيا ليكون رفضها رفضًا قاطعًا خاصة وأن العلاقات الصينية الروسية بمثابة شراكة بلا حدود فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، والتعاون الكبير فى المجالات الاقتصادية العديدة كالطاقة وغيرها، أما الحليف والصديق المقرب لروسيا هى بيلاروسيا التى اندمجت مع روسيا فى علاقات قوية وجيرة الحدود، وتوقيع مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين عام 1995.
الرئيس الروسى لم يقف مكتوف الأيدى بل قام بتأميم الشركات الأجنبية والحسابات البنيكية، حيث تقدر أصول ومدخرات هذه الكيانات بما قرب من 100 مليار دولار، بالتوازى مع إقراره التعامل مع هذه الدول بالعملة الملحية الروسية فى حال تصدير الغاز، وهذا فى تحدٍ واضح لأمريكا ودخول الروبل كمحارب مبارز للدولار على عرشه، ليفرض السؤال نفسه هل تتغير سياسات العالم الاقتصادية بعد الحرب الروسية والأوركرانية؟
الصين الحليف الروسى والعدو الأمريكى
نعلم جميعًا أن كل دولة تسير وفقًا للطريق تحقق أفضل مكاسب منه، ولذلك تصتف الصين كساتر خلفى لروسيا لفرض التعامل بالعملة الصينية اليوان ضمن العملات العالمية، واستغلت الصين الأحداث الحالية بالاتفاق مع الممكلة العربية السعوية بالتعامل بالعملة الصينية الملحية فى المواد البترولية والنفطية، بعد أن تورطت أصابع أمريكية فى ضرب مخازن أرامكو السعوية من قبل الحوثيين، مع دخل الجانب الإيرانى على طرق الحلفاء والداعم الرئيسى لروسيا، وهو ما يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة ند جديد لها، لتنتهى ظاهرة القوى العظمى التى لا تقهر.
الصين هو العدو الحقيقى للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن شكل اقتصادها تهديدًا مباشرًا على التمدد والتوسع الأمريكى بالأسواق الأخرى، ليكون الاقتصاد الصينى هو بديلًا قويًا عن الاستثمارات الأمريكية فى كثير من البلدان.
الدول العربية المستفيد الأكبر
ووما لا يخفى على أحد أن سعر البترول ارتفع لقرابة الضعف، وأن دول الخليج العربى أكبر مستفيد وحققت فائضًا كبيرًا يكون بمثابة سلاح ردع فى موجة التضخم التى تجتاح العالم خلال تلك الفترة، بالرغم من وضع سياسيات اقتصادية من هذه الدول كان أبرزها رفع سعر الفائدة نسبة 25 نقطة، والتى من المؤكد ستجذب استثمارات جديدة لهذه الأسواق.
السوق المصرى .. المفعول به
وبالنسبة للشأن المصرى فهو ليس بمعزل عن الأحداث الجارية، فهو سوق مفعول به تكبد ضغوط لا يد له فيها، ولعل القرارات الأخيرة التى اتخذتها الحكومة المصرية للحد من الضغوط الاقتصادية تشكل صعوبة على الأسر المصرية، وهذا ما فطنت إليه الحكومة المصرية وقامت بتوفير السلع الاستراتيجية والأساسية من خلال منافذ بيع كبيرة فى المحافظات، مع صدور العديد من البيانات يؤكد أمن المخزون الاستراتيجى من السلع.
أما القطاع العقارى يمثل 20% من الناتج القومى فقد تعرض لـ 3 مواقف فى أقل من 5 سنوات، بدأت بقرار تحرير سعر الصرف عام 2016، ثم تداعيات كورونا التى ترامت تأثيراتها على كل القطاعات، لتأتى الضربة الأقوى للسوق وهو ارتفاع المواد الخام المستخدمة فى منظومة التشييد والبناء، بالتوازى مع إصدار شهادات إدخار بفائدة 18% والتى ستؤثر بشكل مباشر على حركة السيولة النقدية والتدفقات المالية من العملاء.
ارتفاع أسعار الدولار لن يربك الشركات العقارية بالشكل الكبير بل كان سيناريو متوقع، ولكن ما أربك سياسيات الشركات هو قرار إصدار الشهادة الجديدة، والتى قاربت على أكثر من 200 مليار جنيه قبل أقل من 5 أيام، وهو ما جعل الشركات تبحث عن خطط بديلة لتوفير السيولة المالية لتنفيذ المشروع، كونها بين شقى رحى بين التزامات تنفيذية وتسليمات عملاء، خاصة وأن عدد كبير من الشركات العقارية يقوم بتسويق المنتجات العقارية قبل عمليات التنفيذ، لتؤكد التوقعات أن أكثر من 60% من شركات التطوير العقارى تتعرض للتعثر أو الخروج من سوق المنافسة، كما أنه مع موعد من دخول استثمارات جديدة نتيجة لفرق العملة المصرية عن العملات الأخرى، سواء فى مشروعات جديدة أو استحواذات واندماجات أو صناديق استثمارية.