منذ بداية الحرب
التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ويحذر معظم الاقتصاديين من أن الحمائية
المتزايدة ستؤدي إلى تباطؤ اقتصادي، وبعد نحو عام من هذا الصراع، كل المؤشرات تؤكد
أن التباطؤ قد بدأ بالفعل.
ومؤخرا حذر
صندوق النقد الدولي من تباطؤ معدل النمو العالمي إلى 3% هذا العام، وهو أدنى معدل
منذ الأزمة المالية، مشيرًا إلى أن العلاقة المضطربة بين واشنطن وبكين تؤثر سلبًا
على الثقة والاستثمار حول العالم.
وحمل تقرير الصندوق عن الاستقرار
المالي رسالة مطولة ملخصها، أن النظام المالي العالمي غير مستقر وفي وضع أخطر مما
كان عليه عند انهيار "ليمان براذرز"، وقال الخبراء في الصندوق إن صناع
السياسة بحاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات حقيقية للتصدي لمواضع الضعف المالي.
وأشار إلى أن برامج التيسير الكمي،
وأسعار الفائدة الصفرية، والضغوط المالية، المنتشرة على نطاق واسع، دفعت
المستثمرين إلى تحمل المزيد من المخاطر "بالنسبة لصناديق التقاعد وشركات
التأمين على الحياة فكانوا مجبرين".
وأكد التقرير أن
التباطؤ الاقتصادي الذي توقعه الخبراء، إلى جانب عقد من السياسة النقدية الفضفاضة
للغاية، يمكن أن يتسببا في موجة من التخلف عن سداد ديون الشركات، وهذه الضربة
كافية لتهديد الاستقرار المالي العالمي.
وتابع
التقرير:" لقد دفع التباطؤ الأخير في الاقتصاد العالمي العديد من البنوك
المركزية بالفعل إلى التوقف عن خططها لإعادة السياسة النقدية إلى وضعها الطبيعي
قبل الأزمة، واختار الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي خفض الفائدة وإعادة
برنامج شراء الأصول".
وأضاف:" البنوك
المركزية تقول
الآن إن أسعار الفائدة لا بد أن تظل منخفضة (أو حتى سالبة) لفترة طويلة من الزمن،
ومن شأن رسالة مثل هذه أن تدفع المستثمرين للبحث عن عائدات أعلى لتحمل المزيد من
المخاطر".
وأوضح أن أسعار
الفائدة المنخفضة لمدة طويلة، تشجع المستثمرين على تحمل مخاطر كبيرة في محاولة
للحفاظ على عائداتهم المالية، مما يثير مخاوف من أنه حتى الأداء الضعيف الحالي
للاقتصاد العالمي قد لا يكون مستدامًا.
وقال التقرير إن
المشكلة تكمن فى أنه حين يمكن للسياسة النقدية التخفيف من أثر التباطؤ الاقتصادي،
فإنها لا تستطيع منعه، ويقدر صندوق النقد أن الحرب التجارية قلصت 0.8 نقطة مئوية
من النمو العالمي، فيما أضافت استجابة البنوك المركزية نصف نقطة مئوية فقط.
وينصح صندوق
النقد صناع السياسات أن يسعوا سريعًا إلى توسيع نطاق اللوائح المصرفية التي
استحدثت بعد الأزمة المالية، لتشمل أجزاء أخرى من القطاع المالي مثل شركات التأمين
ومديري الأصول وصناديق المعاشات التقاعدية، مطالبًا بإخضاعها للمزيد من الرقابة
والكشف عن المخاطر التي تواجهها.
ويشير نظام
النمذجة الخاص بصندوق النقد الدولي إلى أن أرباح الشركات غير المالية لن تكون
كافية لخدمة ديونها البالغة 19 تريليون دولار إذا وقع ركود بنصف قوة ما حدث خلال
الأزمة المالية.
ونتيجة لذلك،
فإن 40% (مستوى أعلى من المسجل خلال الأزمة المالية) من الديون المستحقة على هذه
الشركات للمستثمرين باتت الآن عرضة لخطر التخلف عن السداد، وتحديدًا في بلدان هي،
الولايات المتحدة والصين وبعض أجزاء من أوروبا.
وتبلغ الديون
المستحقة للمستثمرين الأجانب في الأسواق الناشئة الأكثر فقرًا، ما يعادل 160% من
قيمة الصادرات السنوية، ارتفاعًا من 100% عام 2008، وهذا يعني أن بعض البلدان
معرضة لتجدد أزمة الديون إذا ارتفعت الفائدة أو فقد المستثمرون ثقتهم في قدرتها
على خدمة القروض.
وتخاطر المصارف
والشركات بوضع أنفسها تحت ضغط شديد بسبب تفاقم حجم الديون الخطرة، وهو الأمر الذي
قد يتطلب تدخل البنوك المركزية لرفع الفائدة والتوقف الفوري عن شراء الأصول .. لكن
مثل هذا التشديد المفاجئ للسياسة النقدية لن يؤدي إلا إلى تباطؤ أسوأ وربما يتسبب
في حالة من الذعر في الأسواق، لذلك ليس أمام البنوك المركزية سوى خيار مواصلة ضخ
الأموال في الاقتصاد والحفاظ الظروف المالية الفضفاضة قدر الإمكان للمستهلكين
والشركات.
ويتعين على
محافظي البنوك المركزية استخدام السياسات المالية بشكل أفضل وأكثر حكمة، كما ينبغي
على الجهات الرقابية البدء باستخدام أدواتها لضمان عدم تحمل البنوك لمخاطر مفرطة،
مع ضرورة أخذ نظام الظل المصرفي في اعتبار المنظمين لما به من مخاطر كثيرة ، وبطبيعة
الحال، سيكون السيناريو الأفضل إذا توصلت الولايات المتحدة والصين إلى هدنة تجارية
مستدامة، وهذا من شأنه أن يساعد على استعادة الثقة بين المستثمرين ويسمح للبنوك
المركزية باستئناف رفع أسعار الفائدة .. لكن لسوء الحظ، لا يبدو هذا السيناريو
محتملًا، فمن الواضح بشكل متزايد أن الديمقراطيين أيضًا، يشككون في إمكانية التوصل
إلى اتفاق مع الصين من شأنه تهدئة الاحتقان التجاري العالمي، لذا سيكون من الحكمة
أن يستعد المنظمون للتعامل مع العواقب المالية للحمائية التي لن تتوقف عند مجرد
تباطؤ اقتصادي.