انكماش مؤشرات الاقتصاد العالمى ضريبة جائحة كورونا فى 2020».. هكذا وصفت المؤسسات الدولية رؤيتها لآفاق النمو فى هذا العام الاستثنائى، حيث تسيطر حالة من عدم اليقين لسيناريوهات مستقبل الاقتصاد العالمى على كل من معدل النمو الاقتصادى وأسعار الفائدة وحجم التجارة العالمية، بالإضافة إلى معدل التضخم وتفاقم الدين العالمى وتراجع الاستثمار الأجنبى المباشر، فضلاً عن مستويات أسعار النفط والطلب عليه، بنهاية 2020، ومع ذلك عكفت مؤسسات الاقتصاد الدولية على رسم تنبؤات لما سيكون عليه العالم حتى نهاية 2021.
وأصبغت التقارير الدولية رؤيتها للعالم فى العام الجديد بتفاؤل محفوف بالمخاطر، كنتيجة طبيعية لحالة عدم اليقين حيال تنبؤاتها فى حالة خروج جائحة كورونا عن السيطرة، ومن المتوقع أن يمتد ذلك بشكل طفيف إلى الربع الأول من عام 2021، ما جعل منظمات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية ومعهد التمويل الدولى تعيد النظر فى توقعاتها لمؤشرات الاقتصاد العالمى فى المستقبل، وهذا ما قد يخلّف آثاراً سلبية على الأسواق الدولية، خاصة الناشئة منها.
معدل النمو الاقتصادى
شهدت العديد من اقتصادات العالم المؤثرة حالة من الركود والانكماش دفعت الاقتصاد العالمى لتحقيق أسوأ نمو اقتصادى منذ الأزمة المالية العالمية، وهذا ما أثبته صندوق النقد الدولى فى تقرير آفاق الاقتصاد العالمى، الذى أوضح انكماش نمو الاقتصاد العالمى بمعدل -4.9% فى 2020، بانخفاض قدره 1.9% عما تنبأ به فى مطلع العام، ومقابل تحقيقه نمواً بـ2.8% فى 2019، كما انخفض النمو فى الاقتصادات المتقدمة إلى -5.8%، بينما سجلت اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية تراجعاً فى النمو بـ-3.3%.
ويرجع هذا التراجع إلى ضعف الطلب العالمى مصحوباً بانخفاض نمو الإنتاجية مع إغلاق العديد من المصانع نتيجة تفشى فيروس كورونا فى جميع أرجاء العالم، بالإضافة إلى توقف حركة التجارة العالمية بشكل تام لعدة أشهر.
كما أنه من المتوقع أن يبلغ النمو العالمى 5٫2% فى عام 2021، وستصل الاقتصادات المتقدمة عند مستوى إيجابى يبلغ 3.9%، بينما ستحقق اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية تحسناً فى النمو ليصل إلى 6%، فيما سيكون مستوى إجمالى الناتج المحلى العالمى فى 2021 أعلى من مستوى عام 2019 بنسبة طفيفة قدرها 0٫6%.
معدل التضخم
واتساقاً مع ضعف نمو الطلب النهائى، تراجع التضخم الأساسى على مستوى العالم إلى 1.8% فى 2020، وكذلك استمر هبوط التضخم الأساسى فى الاقتصادات المتقدمة إلى دون المستوى المستهدف، مثل مناطق اليورو واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، إذ بلغ معدل التضخم الأساسى نحو 1.3%، بينما سجل معدل التضخم السنوى للمشتريات المرتبطة بفيروس كورونا 1.85%، كذلك استمر هبوط التضخم الأساسى فى كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، فيما عدا دول قليلة مثل الأرجنتين وتركيا وفنزويلا ولبنان.
تراجع الطلب النهائى يهبط بمؤشرات التضخم عالمياً.. ومؤسسات دولية تتوقع نمو الاقتصاد العالمى 5.2% فى 2021 رغم الجائحة!
ويرجع انخفاض معدل التضخم إلى تراجع القوى الشرائية لدى الأفراد نتيجة ضعف الدخول أو تخوفاً مما سيحدث خلال السنوات المقبلة وذلك على الرغم من قيام البنوك المركزية العالمية باتباع سياسات توسعية لزيادة السيولة بالأسواق للخروج من حالة الركود التى يعانى منها الاقتصاد فى أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال ارتفع معدل ادخار الأسر الأمريكية من 7.7% فى ديسمبر 2019 إلى 23.2% فى 2020، وتتوقع المفوضية الأوروبية ارتفاع معدل ادخار الأسرة فى منطقة اليورو من 12.8% فى العام 2019 إلى 19% فى 2020.
معدلات الفائدة
شهد الاقتصاد العالمى انخفاض معدلات الفائدة التى تسهم فى تقليل تكلفة التمويل الدولى، حيث لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً كبيراً فى انخفاض هذه المعدلات عن طريق البنك الفيدرالى، الذى اتجه إلى خفض سعر الفائدة للمرة الثانية على التوالى ليتراوح ما بين صفر و0.25% فى عام 2020، حيث يعد هذا المعدّل الذى كان محدّداً قبل الأزمة المالية العالمية، متعهّداً الفيدرالى بإبقائها عند هذا المعدل إلى حين التأكد من تخطى الاقتصاد تداعيات تفشى فيروس كورونا.
ويعود قرار الفيدرالى إلى رؤية لجنة السوق المفتوحة فى مجلس الاحتياطى أن خفض أسعار الفائدة قرب الصفر يعنى أن البنك المركزى أمامه فرصة إقراض البنوك بسعر فائدة منخفض، وبدورها تقوم البنوك العاملة فى السوق الأمريكية باستثمار هذه الأموال عبر إعادة إقراضها للعملاء، لأغراض استهلاكية أو إنتاجية (سلع أو خدمات).
ودفع هذا القرار إلى توجه 21 بنكاً مركزياً حول العالم مثل منطقة اليورو وبعض أسواق الخليج، لأسعار فائدة صفرية على الودائع، فيما تطبق ثلاث دول أخرى فائدة سالبة لمواجهة ركود النمو الاقتصادى، كما من المتوقع أبقاء الفيدرالى الأمريكى على أسعار الفائدة دون تغيير عن مستوياتها الحالية فى عام 2021.
الاستثمار الأجنبى المباشر
هوى الاستثمار الأجنبى المباشر عالمياً نحو 49% فى النصف الأول من 2020 مقارنة بالفترة نفسها من 2019، ويتجه صوب الانخفاض بما يصل إلى 40% خلال 2020 بأكمله، إذ أرجأت الشركات متعددة الجنسيات الاستثمارات للحفاظ على حجم السيولة لديها بعد توقف حركة البيع والشراء حول العالم نتيجة تفشى فيروس كورونا، حيث تحولت تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى الاقتصادات الأوروبية إلى السالب للمرة الأولى على الإطلاق، لتنخفض إلى -7 مليارات دولار فى 2020 مقابل 202 مليار دولار فى 2019.
كما تراجعت التدفقات إلى الولايات المتحدة بنسبة 61% لتسجل 51 مليار دولار، بينما تضررت الدول الصناعية التى عادة ما تشكل نحو 80% من التعاملات العالمية بشدة مع انخفاض التدفقات إلى 98 مليار دولار، وهو مستوى لم يُسجل منذ 1994.
ومن بين الجهات الرئيسية المتلقية فى 2019 انخفضت التدفقات بشكل قوى فى إيطاليا والولايات المتحدة والبرازيل وأستراليا، وعلى النقيض من ذلك خالفت الصين الاتجاه العام، فخلال الـ9 أشهر الأولى من 2020 زاد الاستثمار الأجنبى المباشر إلى الصين بـ2.5% فى خدمات التجارة الإلكترونية والخدمات التكنولوجية المتخصصة والأبحاث والتطوير، كما من المتوقع أن تعتدل التدفقات فى 2021 ما بين 5 و10% على المستوى العالمى، وذلك وفقاً لتقرير «الأونكتاد».
الدين العالمى
على جانب آخر، تشير التقديرات إلى وصول الدين العالمى لمستوى قياسى مرتفع يتجاوز 277 تريليون دولار بنهاية 2020 مع مواصلة الحكومات والشركات حول العالم زيادة الإنفاق لمواجهة جائحة «كوفيد-19»، حيث أوضح تقرير معهد التمويل الدولى أن الدين تضخم بالفعل 15 تريليون دولار بنهاية سبتمبر 2020 مقارنة بتحقيقه 272 تريليون دولار بنهاية سبتمبر 2019.
وأشار التقرير إلى أن النسبة الأكبر من الديون العالمية تتركز فى الأسواق المتقدمة، بما يقرب من نصف الزيادة، حيث قفز إجمالى ديونها إلى 432% مقارنة بـ380% فى 2019، وبلغت فى الأسواق الناشئة نحو 250%، وسجلت الصين 335%، فيما يتجه إجمالى الدين الأمريكى لتجاوز الـ80 تريليون دولار فى 2020، مقابل تحقيقه 71 تريليون دولار فى 2019، بينما فى منطقة اليورو زاد الدين 1.5 تريليون دولار ليصل إلى 53 تريليون دولار بنهاية سبتمبر 2020.
وأوضح تقرير ستاندرد آند بورز أن الزيادة البالغة 14% فى الدين العالمى إلى الناتج المحلى الإجمالى فى 2020 من المستبعد أن تسبب أزمة ديون فى الأجل القصير، بفرض تعافى الاقتصادات وتوزيع لقاحات على نطاق واسع، وضبط سلوك الاقتراض، كما أن نسبة الدين العالمى إلى الناتج المحلى ستتراجع إلى 256% بحلول 2023.
نمو التجارة عالمياً
وترى منظمة التجارة العالمية أن التبادلات التجارية العالمية التى كانت من بين الضحايا الاقتصادية الرئيسية لوباء «كوفيد-19» هى بحال أفضل مما كان متوقعاً، لكن الانتعاش سيكون أضعف بكثير مما كان، حيث تقدر المنظمة أن التجارة الدولية انخفضت بنسبة 9.2% فقط من حيث الحجم فى 2020.
وأوضحت المنظمة زيادة التجارة الدولية فى معدات الوقاية الشخصية بنسبة 49% خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019 بقيمة 98 مليار دولار، منها 71 مليار دولار للأقنعة الواقية، حيث تمكنت الصين وحدها من تصدير 43.8% من جميع معدات الحماية الشخصية.
كما ترى منظمة التجارة العالمية أن وتيرة النمو يمكن أن تتباطأ بمجرد استنفاد الطلب وتجديد مخزونات الشركات، لتنخفض بنسبة 7.2% خلال 2021، كما أنه من المتوقع زيادة حجم تجارة السلع بنسبة 3%.