بلمسة إبداعية خُطت الأبجدية العربية على الأقمشة، وحُفرت على السبائك الثمينة والأحجار الكريمة، معلنة ولادة عصر جديد من الموضة بمذاق متفرد.
واستخدم الفنانون الخطوط العربية في زخرفة العمائر والتحف وسائر الآثار الفنية من خزف وزجاج ومعادن وأخشاب ورسوم جدارية، وفي العصر الحديث وصلت أبجدية "لغة الضاد" إلى عالمي الأزياء والمجوهرات.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، نسلط الضوء على واحدة من مجالات الفنون والإبداع التي عمدت إلى توظيف أبجدية اللغة.
وفي إطار الاحتفال باللغة العربية، وموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 3190 عام 1973، على إدخال "لغة الضاد" ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
وظف الفنان العربي أبجدية لغته الأم في مجال الأزياء بهدف صناعة منتج يتميز ببنية جمالية تتشكل من تراثه وتقاليده وبيئته وأصوله التاريخية، معتمدًا على ما تزخر به من تنوع في المفاهيم الجمالية والتكوينات الشكلية.
ويعد الحرف العربي شكلاً من أشكال التكوين الجمالي في تصميم الأزياء، إذ أضحت لهذه الأبجدية مكانة لامعة في الكثير من مظاهر الأزياء الشرقية وحتى الغربية.
ووفقا للباحثين في مجال الموضة، فإن تضمين الزخارف والكتابات العربية ذات العناصر الجمالية في عالم الأزياء هو أحد أشكال التغيرات الجذرية المتعددة التي شهدتها الحركة الفنية العالمية منذ بدايات القرن العشرين.
وتنوعت الزخرفة بالحروف والخطوط العربية في عالم الموضة على حسب نوع الخامة والتقنية المنفذ بها، ويعد أهم ما يميز أزياء الأبجدية العربية تفردها، فهي لا تستوحي أو تتاثر أو تقتبس من المدارس والاتجاهات الفنية الغربية الوافدة.
وأبدع الفنانون الكثير من الزخارف على الأقمشة وأثروها بالكتابات العربية واستخدموا نصوصا قرآنية لتصميم أشكال كثيرة من العناصر الطبيعية كالحيوانات، كما استخدموا شكل الحرف كعنصر زخرفي واهتموا بتناسق أجزائه وتجميل سيقانه ورؤوسه وأقواسه بالفروع النباتية.
وتعتبر تكوينات الحروف العربية، من أهم العناصر التشكيلية؛ نظراً لصفاتها الكامنة التي تتيح لها التعبير عن الحركة والكتلة وهي الهيئة العامة المجسمة والمحددة لكيان العمل الفني، ما ساعد مصممي الأزياء على توظيفها في عالم الموضة.
ومع تزايد الإقبال عليها، أصبحت الكتابة العربية على الأزياء ظاهرة إبداعية تعالج قضية الأصالة والمعاصرة في مجال تصميم الأزياء.
وبعض رواد الموضة اتجهوا لخط الأبجدية على الملابس للتعبير عن المرأة العربية، وغالبا ما تتضمن أعمالهم عباءات مزينة بحروف عربية أو فساتين ذات نقوش عربية مصنوعة بالطباعة المخملية، مثل مجموعة عام 2017 للمصممة آية الجوهري.
ولطالما كانت الأبجدية العربية مصدرا ثريا لعشرات الأعمال الفنية والإبداعية، لكن قبل سنوات قرر عشاق المجوهرات وفنانو الدور العريقة توظيف حروف "لغة الضاد" في تصاميمهم، لتبدو أشبه بمعجم لغات مصنوع من الذهب والماس والأحجار الكريمة.
وما شهده العصر الحديث من تصاميم زيّنتها حروف الأبجدية ليس جديدا في عالم الزينة، فمنذ القدم ومحبو الجمال يصنعون مجوهراتهم على هيئة أحرف من معاجم لغاتهم، وأشهر من ذكرهم التاريخ كانوا الفينيقيين، لكن إعادة إحياء ذلك الاتجاه واكبته العصرية، ليخرج بروح شبابية مع مراعاة الأصالة والعراقة العربية.
ويعد اللجوء لتوظيف الأبجدية العربية في عالم المجوهرات محاولة من مصمميها للحديث مع عشاقهم بـ"لغة الضاد"، والتعبير من خلال أعمالهم عن جذورهم العربية وارتباطهم الوثيق بأصولهم.
كما أراد متبعو هذه الصيحة صناعة منتجات تجمع بين الأصالة والعصرية عبر تقديم خطوط جمالية تتماشي مع متطلبات القرن الـ21 وترضى أذواق محبي "الخط العربي".
ومن أشهر من أخذ هذا المنحى مصمّمة المجوهرات اللبنانية نادين قانصو، إذ قدمت الحروف العربية المتشابكة التي تعبر عن رسائل مليئة بالحب والأمل والحنين إلى الإرث العربي العريق مرصّعة بالألماس والأحجار الكريمة.
وابتكرت المصممة شمسة العبّار خطا جديدا في هذا المنحى، إذ تعيد تصميم الحروف التقليديّة بأسلوب تجريديّ يناسب المرأة المعاصرة، عبر تحويلها إلى خطوط هندسيّة وتقديمها في ثوب جديد وغير تقليديّ.
أما مجوهرات المصممتين الشقيقتين لينا وهلا، فصنعت بحروف عربية وبكلمات مستوحاة من أشعار وقصائد الحبّ، تتميز ببساطتها وصغر حجمها وباستخدام ألوان الذهب المختلفة.