أكد الدكتور رضا فرحات، خبير التنمية المحلية، أن ملف العقارات الآيلة للسقوط في مصر ليس ظاهرة طارئة أو مفاجئة، بل هو ملف ممتد منذ سنوات طويلة، ويرتبط بعدة عوامل متراكمة في مقدمتها قدم عدد كبير من المباني وغياب الصيانة الدورية لها، خاصة في المناطق القديمة داخل المحافظات.
وأوضح فرحات في تصريحات خاصة لـ العقارية، أن العقارات القديمة تحديدًا أصبحت بحاجة ملحّة إلى الترميم والمتابعة الفنية المستمرة، بل واتخاذ قرارات حاسمة بشأنها، سواء بالصيانة أو التنكيس أو الهدم الجزئي أو الكلي، حال ثبوت وجود مشكلات إنشائية تمثل خطرًا على الأرواح، مؤكدًا أن ثقافة التعامل مع العقار في المجتمع المصري تمثل أحد جذور الأزمة.
وأشار إلى أن هناك فارقًا جوهريًا بين العقارات المملوكة للدولة، مثل مشروعات الإسكان الاجتماعي أو المساكن الشعبية، حيث تتحمل الدولة مسؤولية الصيانة والمتابعة، وبين العقارات المملوكة للأفراد والخاضعة لقانون الإيجار القديم، والتي تمثل الإشكالية الأكبر في هذا الملف.
وأضاف أن قانون الإيجار القديم ألقى بعبء الصيانة والترميم على المالك، في وقت لا تتناسب فيه القيمة الإيجارية الثابتة مع تكاليف الصيانة المرتفعة، ما دفع عددًا كبيرًا من الملاك إلى الامتناع عن إجراء أي أعمال ترميم، في ظل خلافات متراكمة مع المستأجرين، وهو ما أدى إلى ترك هذه العقارات فريسة للإهمال حتى أصبحت مهددة بالانهيار.
وأوضح خبير التنمية المحلية أن القانون ينظم التعامل مع هذه الحالات، حيث تصدر الأحياء قرارات بالترميم أو الهدم الجزئي أو الكلي وفقًا للحالة الإنشائية للعقار، من خلال لجان المنشآت الآيلة للسقوط المشكلة في كل محافظة، والتي تضم مهندسين متخصصين وتعمل تحت إشراف المحافظ المختص.
وأشار إلى أن القانون رقم 119 لسنة 2008 أجاز التظلم من قرارات الترميم أو الهدم خلال 15 يومًا، أمام لجنة تظلمات يرأسها قاضٍ، وتضم مدير مديرية الإسكان ومهندسين استشاريين، إلا أن اللجوء المتكرر للتقاضي في كثير من الحالات يؤدي إلى تعطيل تنفيذ القرارات، خاصة في ظل عدم توافر أماكن بديلة للمقيمين.
ولفت فرحات إلى أن بعض الملاك يتعمدون ترك العقارات دون صيانة، بهدف صدور قرار هدم كلي، ما يؤدي إلى إنهاء العلاقة الإيجارية واستعادة الأرض وإعادة البناء من جديد، وهو ما يمثل ثغرة قانونية تسهم في تفاقم الأزمة.
وأكد أن هناك سببًا آخر لا يقل خطورة يتمثل في المباني المخالفة، خاصة تلك التي تجاوزت الارتفاعات المقررة في التراخيص، مما أدى إلى تحميل الأساسات بأحمال إنشائية تفوق قدرتها، وهو ما ظهر بوضوح في بعض المحافظات، وعلى رأسها الإسكندرية، حيث شهدت عدة حالات ميل وانهيار لعقارات مرتفعة بُنيت بالمخالفة للقانون.
وأشار إلى أن الدولة بدأت بالفعل في التحرك الجاد للتعامل مع هذا الملف، حيث شكّل رئيس مجلس الوزراء لجانًا متخصصة على أعلى مستوى، بالتنسيق بين وزارتي الإسكان والتنمية المحلية، لحصر العقارات الآيلة للسقوط، ووضع جدول زمني واضح للتعامل معها، سواء بالإزالة أو الترميم أو توفير بدائل آمنة للسكان حفاظًا على أرواحهم.
وشدد فرحات على أن الحل الجذري للأزمة يتطلب خطة قومية عاجلة تقوم على إنشاء قاعدة بيانات دقيقة ومنظمة لكل عقارات الدولة، إلى جانب دراسة إنشاء صندوق خاص لصيانة المباني، تتولى الدولة من خلاله أعمال الترميم على نفقة المالك، مع تحصيل مستحقاتها بآليات قانونية لاحقة.
كما دعا إلى تشديد العقوبات الخاصة باتحادات الشاغلين، خاصة في العقارات الخاضعة لقانون الإيجار، لضمان التزام جميع الملاك بسداد تكاليف الصيانة الدورية، لا سيما للمرافق المشتركة مثل المصاعد وشبكات المياه والصرف الصحي.
واختتم خبير التنمية المحلية تصريحاته بالتأكيد على أن الدولة بدأت بالفعل في التعامل مع الملف بشكل مؤسسي، وأن الفترة المقبلة ستشهد تعديلات تشريعية وإجراءات تنفيذية أكثر حسمًا، بهدف إنهاء أزمة العقارات الآيلة للسقوط، وحماية أرواح المواطنين، وتحقيق الاستقرار العمراني في مختلف المحافظات.
الدكتور رضا فرحات
انهيار العقارات
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض