شهد العام ارتفاعات مذهلة للمعادن الثمينة، يبرز الذهب كملاذ آمن تقليدي، مدفوعاً بسياسات الإدارة الأمريكية غير التقليدية تحت قيادة دونالد ترامب، التي دفعَت المستثمرين والبنوك المركزية إلى الاحتماء به كدرع ضد التضخم والاضطرابات السياسية.
لكن في مفاجأة درامية، سرقت الفضة الأضواء هذا العام، حيث تضاعف سعرها بنسبة 100% في مطلع ديسمبر 2025، مقارنة بارتفاع 60% للذهب فقط.
فما السر وراء هذا التميز؟ الإجابة تكمن في ندرة المعروض، والطلب الصناعي المتسارع، والاستخدامات المتعددة التي تجعل الفضة ليست مجرد مجوهرة، بل عموداً أساسياً للاقتصاد الأخضر.
الندرة المزدوجة
ليست جمالاً فحسب، بل ضرورة صناعية على عكس الذهب، الذي يعتمد بشكل أساسي على الطلب الاستثماري، تتميز الفضة باستخدامات صناعية هائلة تشكل أكثر من 50% من إجمالي الطلب العالمي، مما يجعلها عرضة لتقلبات أقوى ودوافع ارتفاع أكبر.
مع اقتراب المخزونات العالمية من أدنى مستوياتها التاريخية، وانخفاض إنتاج المناجم بنسبة ملحوظة في أمريكا اللاتينية بسبب إغلاقات ونقص الموارد، تحول الفائض السابق إلى عجز حاد.
وفقاً لمعهد الفضة العالمي، يتجاوز الطلب الإنتاج للعام الخامس على التوالي، مدفوعاً بثلاثة محركات رئيسية: كهربة السيارات التي تستهلك الفضة في البطاريات والدوائر، الذكاء الاصطناعي للمكونات الإلكترونية، والطاقة الشمسية حيث يُستخدم معجون الفضة في الألواح الشمسية بنسبة 195.7 مليون أونصة سنوياً.
من يحتاج الفضة أكثر؟ الصين والهند يقودان الطلب الآسيوي الصين والهند، أكبر مستهلكي الفضة عالمياً، يعتمدان عليها لقواعدهما الصناعية الضخمة ولتراث المجوهرات كمخزن قيمة عابر للأجيال.
كما تستهلك الحكومات والمصانع كميات هائلة لصناعة العملات المعدنية والأجهزة الطبية، حيث يُستخدم المعدن في الطلاء المضاد للبكتيريا.
ومع انخفاض تكلفة الفضة مقارنة بالذهب "أونصة واحدة تكفي لشراء أكثر من 75 أونصة فضة بناءً على النسبة الحالية 75:1"، أصبحت خياراً ميسوراً للمستثمرين الأفراد، مما يعزز تقلباتها الصعودية خلال موجات الملاذ الآمن.
عوامل فريدة لسوق الفضة
تنوع يعني تقلباً ما يميز سوق الفضة هو تنوع استخداماتها، الذي يربط سعرها بمجموعة واسعة من الأحداث: دورات التصنيع العالمية، أسعار الفائدة، وسياسات الطاقة المتجددة. مع تسارع الاقتصاد الأخضر، يرتفع الطلب الصناعي، بينما في فترات الركود، يلجأ المستثمرون إليها كبديل رخيص للذهب.
أما السوق نفسه، فهو أقل سيولة؛ حيث تبلغ قيمة مخزونات الفضة في لندن 50 مليار دولار فقط، مقابل 1.2 تريليون دولار للذهب، مع غياب احتياطيات البنوك المركزية الكبيرة التي تدعم الذهب مثل 700 مليار دولار في سبائك بنك إنجلترا.
هذا الفراغ يجعل السيولة تتبخر بسرعة، مما يعزز الارتفاعات الحادة.
توقعات التعريفات الجمركية.. وقود إضافي للصعود
أضافت توقعات فرض رسوم جمركية أمريكية على الفضة، في إطار حرب ترامب التجارية، ضغطاً إضافياً على المعروض، مما ساهم في دفع السعر إلى أعلى مستوياته التاريخية عند 59 دولاراً للأونصة في أوائل ديسمبر.
ومع ترقب خفض الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي، واستمرار الضعف في الدولار، يتوقع الخبراء استمرار الصعود، رغم تحذيرات من تقلبات أعلى للفضة مقارنة بالذهب.
الرهان المستقبلي
هل تصل الفضة إلى 100 دولار؟ مع عجز المعروض المستمر وارتفاع الطلب الصناعي بنسبة 4% في 2024 واستقرار قريب من الرقم القياسي في 2025، يحذر الخبراء من مخاطر نقص يهدد قطاعات الطاقة والإلكترونيات، مما قد يدفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ربما 100 دولار للأونصة كما يتوقع بعض المحللين.
لكن التحدي يكمن في تآكل الربحية الصناعية، الذي قد يحفز استبدال الفضة ببدائل أرخص. في النهاية، الفضة ليست مجرد معدن؛ إنها وقود الثورة الخضراء، وستظل تتألق أكثر في عالم يبحث عن الاستقرار.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض