الجلباب الصعيدي.. رمز الأصالة والهوية في صعيد مصر


الجريدة العقارية السبت 08 نوفمبر 2025 | 10:50 مساءً
الجلباب الصعيدي
الجلباب الصعيدي
حسين أنسي

أثارت الكاتبة سمر فرج فودة خلال الأيام الماضية جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تصريحاتها التي علّقت فيها على زيارة رجل وزوجته يرتديان الجلابية الصعيدية إلى المتحف المصري الكبير. 

تصريحات سمر فرج فودة، التي بدت للبعض عفوية، فُسّرت على نطاق واسع باعتبارها تنمّ عن نظرة طبقية وانتقاص من رموز الريف والصعيد، وهو ما أشعل موجة من الانتقادات والدفاعات المتباينة.

القضية سرعان ما تحولت من مجرد رأي شخصي إلى نقاش مجتمعي حول احترام الهوية المصرية وتنوعها الثقافي، خصوصًا أن الجلابية ليست مجرد زي تقليدي، بل رمز للأصالة والانتماء ارتبط لعقود طويلة بملامح الشخصية المصرية في الريف والصعيد.

الجلباب الصعيدي.. تراث حي يعكس هوية الجنوب المصري

يُعد الجلباب الصعيدي واحدًا من أبرز الملامح التراثية التي تُجسّد روح الجنوب المصري وعمقه الثقافي الممتد عبر مئات السنين. لم يكن يومًا مجرد قطعة ملابس، بل أصبح رمزًا للهوية والانتماء لدى أبناء الصعيد، يعبر عن الرجولة والوقار والبساطة، ويحمل بين طياته قصة تاريخ طويل من العادات والتقاليد التي لا تزال حاضرة حتى اليوم.

أصل الجلباب الصعيدي وجذوره التاريخية

يرجع أصل الجلباب الصعيدي إلى العصور القديمة، إذ تشير الدراسات إلى أن المصريين القدماء كانوا يرتدون أثوابًا طويلة فضفاضة مشابهة في تصميمها للجلباب الحالي. 

ومع مرور الزمن، تطوّر الشكل العام ليتناسب مع طبيعة الحياة في جنوب مصر، حيث الحرارة المرتفعة وحاجة الرجل الصعيدي إلى ملابس مريحة تسمح بحرية الحركة أثناء العمل في الزراعة أو الحقول أو الأسواق.

ويُصنع الجلباب تقليديًا من الأقمشة القطنية أو الكتان التي تتلاءم مع طبيعة المناخ الجاف، كما تختلف ألوانه باختلاف المناسبات، فهناك الجلباب الأبيض الذي يُستخدم في الأيام العادية أو الصيفية، والجلباب الرمادي أو الكحلي الذي يُرتدى في الشتاء، بينما يُختار الجلباب الأسود أو الداكن في المآتم والمناسبات الحزينة.

دلالات الجلباب الصعيدي في الثقافة الشعبية

لا يمكن فصل الجلباب الصعيدي عن الثقافة الشعبية المصرية، فهو رمز للفخر والانتماء والاحترام، وغالبًا ما يُستخدم في الأمثال الشعبية والأغاني والأعمال الدرامية التي تتناول الحياة في الصعيد.

ويرتدي الرجل الصعيدي جلبابه في كل المواقف اليومية، سواء أثناء العمل أو في المناسبات الاجتماعية كالأفراح والعزاءات، حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصيته. ويُنظر إلى من يرتدي الجلباب باعتباره شخصًا أصيلًا متمسكًا بتقاليد بلده واعتزازه بموروثه الثقافي.

كما يعبّر الجلباب في كثير من الأحيان عن المكانة الاجتماعية، إذ يتميّز جلباب الوجهاء أو كبار العائلات بخامات فاخرة وتطريز بسيط عند الياقة أو الأكمام، بينما يحتفظ الجلباب الشعبي ببساطته وتواضعه، ما يعكس روح الصعيد القائمة على الكرامة والعزة دون تكلف.

صناعة الجلباب الصعيدي بين الماضي والحاضر

كانت صناعة الجلباب الصعيدي فيما مضى تعتمد على الحياكة اليدوية، حيث يقوم الخياط بخياطة الجلباب وفق المقاسات الدقيقة وبطريقة فنية تراعي التهوية والراحة. 

ومع تطور الصناعة، ظهرت ماكينات الخياطة والمصانع المتخصصة، لكنها لم تستطع إلغاء الطابع التراثي الذي يميز الجلباب المحلي عن أي تصميم آخر.

وتُعد محافظات مثل سوهاج وقنا والأقصر وأسيوط من أبرز مراكز صناعة الجلابيب في مصر، وتُصدّر بعض ورشها منتجاتها إلى دول عربية، خاصةً في الخليج، حيث يحظى الجلباب الصعيدي بشعبية كبيرة بين محبي التراث المصري.

الجلباب الصعيدي في الأزياء الحديثة

رغم طغيان الموضة الغربية وانتشار الملابس العصرية، لا يزال الجلباب الصعيدي يحتفظ بمكانته المميزة في وجدان المصريين. بل بدأ العديد من مصممي الأزياء في إعادة إحياء الجلباب بطريقة عصرية، من خلال إضافة لمسات تصميمية جديدة دون المساس بجوهره التراثي، ليصبح مزجًا فريدًا بين الأصالة والحداثة.

وبات من الشائع رؤية شباب من الجيل الجديد يرتدون الجلباب في المناسبات الوطنية أو خلال شهر رمضان، كتعبير عن الفخر بالجذور والانتماء للثقافة المحلية.