في الساعات الأولى من صباح الأحد، تحوّل متحف اللوفر، أحد أبرز رموز التراث الإنساني وأشهر المتاحف في العالم، إلى مسرح لعملية سطو جريئة نفذها ثلاثة أو أربعة لصوص فقط خلال سبع دقائق.
وبحسب تصريحات وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز، فإن القطع المسروقة "لا تُقدر بثمن" نظرًا لقيمتها التاريخية والرمزية، ما جعل الحادثة صدمة ثقافية كبرى داخل فرنسا وخارجها.
تفاصيل العملية: اقتحام عبر نهر السين وسرقة تسع قطع إمبراطورية
كشفت التحقيقات الأولية أن اللصوص تسللوا إلى المتحف من واجهة تطل على نهر السين مستخدمين رافعة مثبتة على شاحنة للوصول إلى قاعة أبولو، إحدى أكثر القاعات شهرة داخل اللوفر.
وخلال دقائق معدودة، حطموا خزانتين زجاجيتين واستولوا على تسع قطع نادرة من مجوهرات تعود للإمبراطور نابليون والإمبراطورة جوزفين، قبل أن يلوذوا بالفرار.
وعقب الحادث، أعلن المتحف إغلاق أبوابه مؤقتًا "لأسباب استثنائية"، بينما بدأت السلطات الفرنسية تحقيقًا واسع النطاق بمشاركة وحدات متخصصة في مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب الآثار.
تاريخ طويل من السرقات في قلب اللوفر
ليست هذه المرة الأولى التي يتصدر فيها اللوفر عناوين الصحف بسبب سرقة فنية.
ففي عام 1911، شهد المتحف سرقة لوحة الموناليزا في واحدة من أشهر الجرائم الفنية في التاريخ، قبل أن يُعثر عليها في فلورنسا بعد عامين، وهي الحادثة التي ساهمت paradoxically في شهرتها العالمية.
كما اختفت في عام 1983 قطعتان من دروع عصر النهضة ولم يُستردّا إلا بعد أربعة عقود.
هذه الحوادث المتكررة تعكس، وفق خبراء الأمن الثقافي، أن المتاحف الكبرى تظل أهدافًا مغرية لما يعرف بـ"جرائم المكانة والربح"، رغم التطور الهائل في أنظمة الحماية والمراقبة.
مشروع ماكرون لتجديد اللوفر.. "نهضة ثقافية" تتعثر بالصدمة
تأتي هذه السرقة بعد أشهر من إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشروعه الطموح لتحديث اللوفر تحت عنوان "النهضة الجديدة لمتحف اللوفر"، بتكلفة تتراوح بين 700 و800 مليون يورو على مدى عشر سنوات.
يهدف المشروع إلى تجديد البنية التحتية، واستحداث مدخل رئيسي جديد، وإنشاء قاعة خاصة لعرض لوحة الموناليزا بعيدًا عن الازدحام المزمن، إلى جانب رفع أسعار التذاكر للزوار من خارج الاتحاد الأوروبي.
وكان ماكرون قد وصف المشروع بأنه جزء من "نهضة ثقافية فرنسية"، تسعى لجعل اللوفر أكثر استدامة وجاذبية للأجيال القادمة.
اقتصاد السرقات الفنية.. سوق خفي بقيمة 6 مليارات دولار سنويًا
تشير تقارير دولية إلى أن التجارة غير الشرعية بالقطع الفنية والآثار تدر سنويًا أكثر من 6 مليارات دولار، لتأتي في المرتبة الثالثة بعد تجارة المخدرات والأسلحة.
وتؤكد دراسات متخصصة أن كثيرًا من المسروقات لا تُعرض للبيع مطلقًا، بل تُستخدم كضمانات في صفقات غير مشروعة، أو تُحتفظ بها ضمن ما يُعرف بـ"مقتنيات النفوذ".
ويصعب تتبع هذه القطع بسبب شبكات تهريب معقدة تمتد عبر قارات عدة.
قيمة اللوفر الثقافية والاقتصادية
يستقبل اللوفر أكثر من 30 ألف زائر يوميًا ويضم 33 ألف قطعة أثرية وفنية تمثل حضارات مصر وبلاد الرافدين واليونان وروما.
ومن أبرز مقتنياته: الموناليزا، فينوس دي ميلو، وتمثال النصر المجنح لساموثريس.
وتبلغ القيمة التأمينية لمجموعاته عشرات المليارات من الدولارات، لكن الخبراء يجمعون على أن قيمتها الحقيقية لا تُقدّر بثمن، لأنها تمثل ذاكرة إنسانية وهوية ثقافية عالمية.
تحديات الأمن في المتاحف العالمية
أعادت الحادثة النقاش حول أمن المتاحف الكبرى، خاصة مع ارتفاع تكلفة أنظمة الحماية وتعقيدها.
كما سلطت الضوء على عجز التأمين المادي عن تعويض الخسارة الرمزية لأي قطعة أثرية تُسرق أو تتلف.
ويرى مؤرخون أن مثل هذه الجرائم، رغم خطورتها، تزيد من اهتمام الجمهور بالفن والتراث، لكنها في الوقت ذاته تضع المؤسسات الثقافية أمام اختبار صعب في الحفاظ على مصداقيتها ودورها في حماية الإرث الإنساني.
تراث لا يُقدّر بثمن
القطع المسروقة من اللوفر ليست مجرد مجوهرات إمبراطورية، بل تمثل جزءًا من السردية التاريخية لفرنسا ومن الذاكرة الأوروبية.