أكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الأرقام التي أعلنها البنك المركزي المصري حول التمويلات المقدمة للقطاع العقاري وقطاع التشييد والبناء، تعكس بوضوح مدى الدور المحوري الذي يلعبه الجهاز المصرفي في دعم الاقتصاد المصري، وتحقيق معدلات نمو فعلية في قطاعات تُعد من الأعمدة الأساسية للناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح الدكتور عبد المنعم، في مداخلة مع الإعلامية رانيا الشامي ببرنامج "تعمير" على قناة on، أن حجم التمويلات والتسهيلات الائتمانية التي قدمها القطاع المصرفي تجاوزت 348 مليار جنيه حتى نهاية مايو 2025، وذلك لدعم أنشطة القطاع العقاري والمقاولات والبناء. واعتبر أن هذا الرقم يعكس حجم الثقة الكبيرة التي تمنحها البنوك المصرية للمستثمرين والقطاع الخاص في تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى.
التمويل العقاري محرك رئيسي للاقتصاد
أشار الدكتور عبد المنعم إلى أن البنوك باتت تلعب دورًا أساسيًا في بناء الهياكل التمويلية لرأس المال العامل بالشركات العقارية وشركات التشييد، إلى جانب تمويل صناديق الاستثمار العقاري وغيرها من الكيانات المعنية بالتطوير العمراني.
وأوضح أن الجهاز المصرفي المصري لا يقتصر دوره على تمويل القطاع العقاري فقط، بل يمتد ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الصناعة والزراعة، إلا أن العقارات والتشييد تستحوذ على الحصة الأكبر من التمويل في الوقت الراهن نظرًا لحجم الطلب وحيوية القطاع.
القطاع العقاري يمثل 21% من الناتج المحلي
لفت الدكتور عبد المنعم إلى أن القطاع العقاري في مصر يمثل ما يقرب من 20 إلى 21% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يؤكد أن جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الوطني يرتكز على هذا القطاع الحيوي، الذي يُعد محركًا أساسيًا للنمو الاقتصادي والتشغيل.
وأضاف أن هذا القطاع يمتاز بقدرته على استيعاب أعداد كبيرة من العمالة، حيث يساهم في تشغيل ما يزيد على 5 ملايين وظيفة في مهن مباشرة وغير مباشرة، ترتبط بأنشطة البناء والتشييد والتوريدات واللوجستيات والتسويق العقاري.
توسع عمراني غير مسبوق
أوضح الدكتور عبد المنعم أن الفترة من 2014 حتى الآن شهدت توسعًا عمرانيًا غير مسبوق في تاريخ مصر، سواء من خلال العاصمة الإدارية الجديدة، أو المدن الذكية مثل العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة والإسماعيلية الجديدة، بالإضافة إلى التوسع الأفقي في مناطق مثل التجمع الخامس، الشيخ زايد، و6 أكتوبر.
وأشار إلى أن هذا التوسع لم يكن حكوميًا فقط، بل كان للقطاع الخاص دور كبير، وهو ما تعكسه الأرقام؛ حيث استطاعت الشركات الخاصة الحصول على تمويلات ضخمة من البنوك لتنفيذ مشروعات متنوعة، مما يؤكد شراكة الدولة والقطاع الخاص في قيادة ملف التطوير العمراني.
إشارات إيجابية للاقتصاد المصري
وصف الدكتور عبد المنعم هذه المؤشرات بأنها "إشارات إيجابية على تعافي الاقتصاد المصري"، مؤكدًا أن الأرقام المعلنة تعكس عودة الثقة في السوق العقارية، وزيادة قدرة القطاع الخاص على التوسع وتحقيق أرباح، وهو ما يدعم بشكل مباشر الإيرادات الضريبية ويخفف العبء عن الدولة.
وأوضح أن البنوك المصرية تتبع استراتيجية قائمة على تدعيم الأنشطة ذات القيمة المضافة، خاصة في ظل التوجيهات الرئاسية والحكومية بدعم القطاع الخاص وتوفير أدوات تمويل مرنة، خصوصًا في ظل تراجع أسعار الفائدة تدريجيًا خلال عام 2025.
انخفاض الفائدة يعزز الاستثمار العقاري
أشار الدكتور عبد المنعم إلى أن العام الجاري شهد انخفاضًا تدريجيًا في أسعار الفائدة، لتتراوح بين 21% على الإيداع و22% على الاقتراض، وهو ما شجّع العديد من الشركات والأفراد على التوسع في الحصول على قروض طويلة الأجل سواء للاستثمار أو لشراء وحدات عقارية.
وأضاف أن هذا التراجع في الفائدة سيسهم في تنشيط حركة البيع والشراء، خاصة لفئات متوسطي الدخل والعاملين بالقطاع الخاص، مؤكدًا أن الفائدة على التمويل العقاري أصبحت أكثر جاذبية مع برامج التمويل المدعوم ومبادرات البنك المركزي.
التحديات المقبلة والفرص المتاحة
أكد الدكتور عبد المنعم في ختام تصريحاته أن التوسع في التمويل العقاري يجب أن يُقابل بسياسات رقابية تضمن استدامة التمويل وعدم تراكم الديون، مشددًا على ضرورة التنسيق بين وزارة الإسكان، والبنك المركزي، واتحاد البنوك المصرية، لتنظيم السوق وتعزيز الشفافية وحماية المستهلك.
وأضاف أن مصر تمتلك فرصة تاريخية للتحول إلى مركز إقليمي في مجال الاستثمار العقاري، شريطة تطوير أدوات التمويل، وتوسيع قاعدة المستفيدين، وزيادة الوعي الاستثماري لدى المواطنين.