كشفت وثيقة سرية مسربة، ملامح خطة لإنشاء سلطة انتقالية لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، يقودها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، في إطار ما يسمى بالسلطة الانتقالية الدولية لغزة، وسط تحذيرات فلسطينية من أن هذه الخطة قد تؤدي إلى تهميش الشخصيات الفلسطينية الرئيسية وفصل القطاع عن الضفة الغربية، وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
ملامح خطة لإنشاء سلطة انتقالية لإدارة قطاع غزة
بحسب الصحيفة، تشير مسودة الوثيقة المؤلفة من 21 صفحة إلى أن إدارة غزة وإعادة إعمارها ستكون بقيادة مسؤولين دوليين، فيما يقتصر الدور الفلسطيني على مهام ثانوية، في خطوة من شأنها إقصاء القوى السياسية الفلسطينية التقليدية.
كما تتضمن الخطة، التي وُصفت بأنها وثيقة سرية وأصلية أُعدّت خلال الأسبوعين الماضيين، مقترحًا بإنشاء هيئة مستقلة لتشجيع الاستثمار والتنمية الاقتصادية في غزة، ترتكز على شراكات بين القطاعين العام والخاص وأدوات تمويل مختلطة لتحقيق عوائد مجدية تجاريًا للمستثمرين، في حين ستعمل إدارة غزة بمعزل عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
نجيب ساويرس ضمن الشخصيات المقترحة
لم تشر الوثيقة إلى أي أسماء فلسطينية بعينها لتولي مناصب قيادية، لكنها تضمّنت إشارات إلى عدد من الشخصيات الدولية المحتملة، من بينهم رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، ورجل الأعمال الأمريكي مارك روان من شركة "أبولو جلوبال مانجمنت"، وأرييه لايتستون من "معهد إبراهيم لاتفاقيات السلام"، وهو مستشار سابق للسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، خلال إدارة ترامب.
وبحسب مصادر قريبة من معدّي الوثيقة، فإن هذه الأسماء وُضعت لأغراض توضيحية فقط دون الحصول على موافقات رسمية من أصحابها، وفقًا لـ "الجارديان".
وتشير الوثيقة إلى أن السلطة الانتقالية المقترحة ستُدار من مجلس يتكوّن من سبعة إلى عشرة أعضاء، يوافق عليهم مجلس الأمن الدولي، على أن يكون أحدهم فقط فلسطينيًا من خلفية اقتصادية أو أمنية، بينما يشغل الأعضاء الآخرون مواقعهم بصفة دولية لضمان الكفاءة التنفيذية والشرعية الإقليمية.
ووفقًا للمسودة، ستبدأ السلطة عملها مؤقتًا من مدينة العريش المصرية، بالقرب من حدود قطاع غزة، إلى حين استقرار الوضع الأمني والسياسي داخل القطاع.
دور تنفيذي واسع للرئيس المقترح
تمنح الوثيقة رئيس السلطة الانتقالية صلاحيات واسعة، تشمل تحديد الاتجاه السياسي والاستراتيجي للهيئة بالتشاور مع مجلس الإدارة والسلطة الفلسطينية، فضلًا عن قيادة الجهود الدبلوماسية والأمنية مع الأطراف الخارجية، بما في ذلك إسرائيل ومصر والولايات المتحدة.
غير أن اللافت هو غياب أي إشارة لدور السلطة الفلسطينية في التنسيق مع هذه الأطراف الثلاثة، ما أثار مخاوف من تهميشها سياسيًا، بحسب التسريبات.
ويُتوقع أن يتزامن طرح الخطة مع لقاء مرتقب في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث سيُعرض مشروع إدارة غزة ضمن خطة ترامب الجديدة، التي تشمل أيضًا الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع، وإطلاق سراح الأسرى خلال 48 ساعة، وانسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية.
انتقادات وتحذيرات فلسطينية
قوبلت التسريبات بانتقادات شديدة من شخصيات فلسطينية بارزة، إذ حذّر كزافييه أبو عيد، العضو السابق في فريق التفاوض التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، من أن تشكيل هيئة تشريعية ذات غالبية أجنبية لإدارة غزة يمثل مساسًا بالسيادة الفلسطينية، مضيفًا أن الخطة تفصل غزة قانونيًا عن الضفة الغربية، في تناقض واضح مع اتفاقيات أوسلو التي اعترفت بوحدة الأراضي الفلسطينية.
بدوره، وصف الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي الخطة بأنها استعمارية الطابع، مشيرًا إلى أن ذكر اسم توني بلير في السياق الفلسطيني يذكّر الناس بحرب العراق وبالتجربة الفاشلة عندما كان مبعوثًا للجنة الرباعية.
وأكد مصدر قريب من فريق بلير، أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق يرفض أي خطة تتضمن تهجير سكان غزة، مشددًا على أن الهدف هو إعادة السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف إلى القطاع كجزء من مسار يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، حسبما صرح لصحيفة الجارديان.
دعم أمريكي وخليجي محتمل
تفيد التسريبات أن الخطة تحظى بدعم مبدئي من البيت الأبيض وبعض الدول الخليجية، وأنها تستند إلى مقاربة اقتصادية – أمنية تركز على الاستقرار وإعادة الإعمار، عبر تمويل مشترك من مؤسسات دولية وصناديق استثمارية عربية وغربية.
ووفقًا للمسودة، فمن المتوقع أن تساهم الدول الإسلامية في ترشيح شخصيات ذات ثقل دبلوماسي وثقافي لضمان المصداقية الإقليمية، بما يعزز قبول المشروع عربيًا وإسلاميًا.
ورغم تداول الخطة في دوائر مغلقة، نفى مكتب توني بلير تأييده لأي مبادرة تتضمن تغييرًا ديموغرافيًا أو تهجير سكان غزة، مؤكدًا أن المرحلة الانتقالية يجب أن تُمهّد لإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، لا لتقويضها.
في المقابل، قال نائب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لامي، إنه لا يملك معلومات مؤكدة حول مدى صحة التقارير المتعلقة بدور بلير، مضيفًا أن أي إدارة مستقبلية لغزة يجب أن تحظى بثقة الفلسطينيين وأن تشمل قيادات يعترفون بها.
يُذكر أن توني بلير شغل منصب مبعوث اللجنة الرباعية للشرق الأوسط (الولايات المتحدة - الاتحاد الأوروبي - روسيا - الأمم المتحدة) بعد تركه رئاسة الحكومة البريطانية عام 2007، وركز آنذاك على دعم التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية وتهيئة الأجواء لحل الدولتين.
كما شارك في أغسطس الماضي في اجتماع بالبيت الأبيض مع ترامب لمناقشة الخطط الخاصة بمستقبل غزة والمنطقة، وسط حديث عن خطة شاملة للسلام وإعادة الإعمار.