يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضعاً اقتصادياً صعباً وعزلة متزايدة، خصوصاً مع تلويح الولايات المتحدة بفرض عقوبات قد تشل موارده.
ورغم هذا الضغط، يبدو أن الكرملين لا يُظهر أي خوف، بل على العكس، يواصل تصعيده العسكري ضد أوكرانيا. لكن لماذا يرى بوتين أن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجرد كلام؟
العقوبات الأوروبية لم تحقق الهدف
على مدار السنوات الثلاث الماضية، لم تنجح حزم العقوبات الثمانية عشر التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا في وقف آلة الكرملين العسكرية.
والسبب ببساطة هو أن الدول الأوروبية، رغم دعمها لأوكرانيا، تواصل ضخ الأموال في خزينة موسكو، فما زالت روسيا ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي، بل وزادت واردات الدول الأوروبية منها بنسبة 25% في عام 2024.
رهان بوتين على الثقة
يعتقد بوتين أن تهديدات ترامب جوفاء لثلاثة أسباب رئيسية:
وعود لم تُنفذ: خلال الأشهر الستة الماضية، لم يقم ترامب بتنفيذ الكثير من الرسوم الجمركية العقابية التي هدد بفرضها على دول العالم.
التكلفة الباهظة على أمريكا وحلفائها: فرض عقوبات شاملة على الدول التي تشتري النفط والغاز الروسي، مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، سيؤدي إلى شل الاقتصاد العالمي وضرب الاقتصاد الأمريكي نفسه. كما سيؤدي إلى توتر العلاقات مع حلفاء أساسيين مثل الهند، وقد يدفعها إلى التقارب أكثر مع الصين.
صدمة نفطية عالمية: إذا تم حظر النفط الروسي فعلياً، فسيؤدي ذلك إلى سحب أكثر من 10% من المعروض العالمي، مما يسبب ارتفاعاً هائلاً في أسعار الطاقة ويُدخل الولايات المتحدة وأوروبا في حالة من الركود الاقتصادي الحاد. يدرك بوتين أن ترامب لن يكون مستعداً لتحمل هذه التكلفة من أجل "حرب لم يكن ينبغي أن تحدث"، كما يصفها ترامب.
أداء الاقتصاد الروسي
هذا لا يعني أن الاقتصاد الروسي بخير. فقد بدأ الانتعاش الذي شهده بعد الغزو يفقد زخمه، حيث من المتوقع أن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 4.3% إلى 1.4% فقط في عام 2025. ولأول مرة منذ سنوات، تواجه روسيا عجزًا ماليًا.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو انخفاض أسعار النفط العالمية بنسبة 35% هذا العام. وبناءً على وثائق داخلية مسربة، يخطط البنك المركزي الروسي لطبع أوراق نقدية جديدة بقيمة ضخمة، وهي أكبر عملية إصدار نقدي منذ حقبة التضخم المفرط في التسعينيات، مما قد يؤدي إلى صدمة تضخمية حادة في المستقبل.
تناقضات واضحة
رغم هذه التحديات، يظهر الاقتصاد الروسي تناقضات غريبة. ففي عام 2024، تفوقت مبيعات سيارات "BMW X7" الفاخرة في روسيا على مبيعاتها في ألمانيا نفسها. هذا يُظهر أن شريحة من الروس ما زالت قادرة على شراء سلع فاخرة، حتى لو كانت بأسعار مضاعفة بسبب العقوبات.
من ناحية أخرى، تظهر استطلاعات الرأي أن التأييد الشعبي للحرب في روسيا بدأ يتراجع. فوفقًا لاستطلاعات "ليفادا" المستقلة، انخفضت نسبة الروس الذين يريدون مواصلة الحرب إلى 28%، بينما ارتفعت نسبة الذين يؤيدون الدخول في محادثات سلام.
هذه المؤشرات، إلى جانب حالات الانتحار الغامضة بين المسؤولين الروس، قد تشير إلى وجود صراع داخلي بين النخب حول تقاسم موارد الدولة، لكنها لم تمنع بوتين من المضي قدماً في إصراره على إخضاع أوكرانيا مهما كانت التكاليف.