شهدت الصين خلال العقد الأخير صعوداً مذهلاً في سوق السيارات الكهربائية جعلها تتصدر المشهد العالمي، حيث أنتجت نحو 6 ملايين سيارة عام 2023 لتصبح أكبر مصدر على مستوى العالم، متجاوزة جميع منافسيها. وقد تمددت شركات كبرى مثل بي واي دي وجيلي وشانغان وشيري بقوة في الأسواق الأوروبية والآسيوية والأميركية اللاتينية، مما رسخ صورة الصين كـ«مركز عالمي» لصناعة السيارات النظيفة.
لكن خلف هذا النجاح الخارجي، يختبئ واقع داخلي قاتم يتمثل في منافسة سعرية شرسة أضعفت هوامش الأرباح وأغرقت السوق بفائض إنتاجي هائل، مهددةً بانهيار عشرات العلامات التجارية المحلية.
أبرز الأمثلة على ذلك انهيار شركة جي يوي الناشئة، المدعومة من «بايدو» و«جيلي»، والتي جذبت الأنظار عند تأسيسها عام 2021، قبل أن تسقط سريعاً في 2024 تاركة وراءها ديوناً ضخمة على الموردين. أحد المتضررين، لي هونغشينغ، مدير وكالة تسويق رقمي، وجد نفسه غارقاً بديون تبلغ 40 مليون يوان (5.6 مليون دولار) بعد توقف الشركة عن سداد التزاماتها.
تعود جذور الأزمة إلى السياسة الحكومية التي اعتبرت منذ مطلع الألفية قطاع السيارات الكهربائية قطاعاً استراتيجياً، ففتحت الباب أمام إعفاءات ضريبية ودعم مباشر أدى إلى ولادة نحو 500 علامة محلية بحلول 2019. غير أن وفرة الإنتاج، مع تباطؤ الطلب المحلي، دفعت السوق إلى ما يشبه حرب أسعار فوضوية.
تشير بيانات «مورنينغ ستار» إلى أن متوسط هامش أرباح الشركات انخفض إلى 4.3% في 2023 مقارنة بـ8% في 2017، فيما لا تتجاوز معدلات استغلال الطاقة الإنتاجية 50%. الموردون يشكون من تأخير الدفعات وضغوط متواصلة لخفض الأسعار، ما أجبر بعضهم على خفض الأجور بنسبة 30% أو الاعتماد على عمالة مؤقتة، وهو ما انعكس سلباً على جودة المكونات والسيارات.
السلطات الصينية رصدت خطورة ما سمته بـ«الانغماس الداخلي» أو Neijuan، أي التنافس المفرط غير المنتج، فأطلقت حملة للحد من هذه الممارسات. وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات شددت على أن المنافسة السعرية المتطرفة تضعف الاستثمار في الابتكار، فيما جعلت اللجنة المركزية للشؤون المالية «تنظيم الأسعار المنخفضة غير المنضبطة» أولوية سياسية.
رغم اتخاذ تدابير مثل إلزام الشركات بدفع مستحقات الموردين خلال 60 يوماً، والتحذير من جولات جديدة من حرب الأسعار، يرى خبراء أن هذه الإجراءات تبقى محدودة الأثر، إذ يخشى المسؤولون من أن يؤدي إغلاق المصانع أو تقليص الاستثمارات إلى بطالة واسعة في قطاع يوظف أكثر من 4.8 مليون شخص.
ويبدو أن التناقض بين التوسع الخارجي والاحتقان الداخلي يضع بكين أمام معادلة معقدة: الحفاظ على مكانة الصين كقوة عالمية للسيارات الكهربائية، دون التسبب في أزمة صناعية داخلية.