يفتتح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، اليوم الثلاثاء، اجتماعًا للسياسة النقدية يستمر يومين، وسط توترات سياسية غير مسبوقة تتعلق بمحاولة الرئيس دونالد ترامب التأثير المباشر على قرارات البنك المركزي.
وتأتي هذه التطورات بعدما نجح الفيدرالي مؤقتًا في تجنب صدمة مؤسسية كبرى، عقب قرار قضائي سمح للحاكمة ليزا كوك بالاستمرار في منصبها والمشاركة في الاجتماع، رغم محاولات البيت الأبيض إقالتها.
اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
قالت محكمة الاستئناف الفيدرالية في واشنطن، في حكم صدر بأغلبية صوتين مقابل صوت واحد، إن كوك ستظل تمارس مهامها خلال فترة التقاضي بشأن قرار الرئيس ترامب بإقالتها، ما يعني مشاركتها الكاملة في اجتماع السياسة النقدية الجاري، في غياب تدخل محتمل من المحكمة العليا.
وأوضح المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي، أن الإدارة ستستأنف الحكم، مؤكدًا: "قام الرئيس بإقالة ليزا كوك بشكل قانوني لسبب ما، ونتطلع إلى تحقيق النصر النهائي في هذه القضية"، وفقًا لوكالة رويترز.
توقعات أسعار الفائدة الأمريكية
من المتوقع أن يخفض البنك المركزي سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية ليصل إلى نطاق يتراوح بين 4.00% و4.25%، ويعد هذا الخفض استجابة جزئية لمطالب ترامب، الذي يضغط من أجل تخفيضات أكبر بكثير في تكاليف الاقتراض لدعم النمو الاقتصادي.
يستعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاستقبال عضو جديد حول طاولة السياسة، بعد أن أكد مجلس الشيوخ الأمريكي يوم أمس الإثنين تعيين ستيفن ميران، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، وقد نال ميران ثقة المجلس بأغلبية ضئيلة بلغت 48 صوتًا مقابل 47، ومن المتوقع أن يؤدي اليمين الدستورية خلال الاجتماع، لينضم إلى مجلس المحافظين المؤلف من سبعة أعضاء.
ورغم أن خفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع سيكون الأول منذ ديسمبر الماضي، إلا أن الأسواق المالية تركز بشكل أكبر على التداعيات المؤسسية لقضية كوك، التي اعتُبرت اختبارًا صريحًا لاستقلالية الفيدرالي.
محاولة ترامب للإطاحة بصانع سياسات نقدية مستقل
اعتبر خبراء أن قرار المحكمة الذي أبقى كوك في منصبها حدّ من التداعيات الفورية لمحاولة ترامب غير المسبوقة للإطاحة بصانع سياسات نقدية مستقل، استنادًا إلى مزاعم بتقديمها بيانات غير دقيقة في طلب رهن عقاري.
ونفت كوك جميع التهم الموجهة إليها، ولم يتم اتهامها بأي جرائم، وأكد الفيدرالي أنه سيلتزم بأي حكم قضائي نهائي يتعلق بوضعها. وأوضح القاضي برادلي جارسيا، الذي كتب رأي الأغلبية في اللجنة القضائية، أن الحكومة لم تقدم لـ كوك إشعارًا أو فرصة ذات معنى للرد على الادعاءات، معتبرًا أن من المرجح أن تنجح في حجتها المتعلقة بانتهاك حقها في الإجراءات القانونية الواجبة.
ومع ذلك، لم تتناول المحكمة بعد قضية السبب القانوني للإقالة الرئاسية، وهي نقطة جوهرية في القضية.
تحديات الاقتصاد الأمريكي
يواجه الفيدرالي تحديات اقتصادية متزايدة، أبرزها ضعف سوق العمل الأمريكي، واستمرار التضخم بالتحليق فوق المستوى المستهدف عند 2%، في ظل الرسوم الجمركية العدوانية التي فرضتها إدارة ترامب على الواردات.
وتشير التوقعات إلى أن هذه الملفات ستكون محور النقاشات الأوسع خلال الاجتماع، في وقت يتوقع فيه المحللون أن يمثل ضعف سوق العمل أكبر مصدر قلق لصناع السياسة النقدية.
كما يترقب المستثمرون النهج الذي سيتبعه ميران في منصبه الجديد، خصوصًا أنه كان من أبرز المنتقدين لثقافة الفيدرالي في كتاباته السابقة، ورغم أن فترة ولايته قد تستمر نظريًا حتى 31 يناير المقبل فقط، إلا أن ميران قد يترك بصمة كبيرة من خلال تصريحاته العلنية المتكررة حول توجهات السياسة النقدية وأداء الاقتصاد الأمريكي.
وبينما تتواصل ملحمة كوك وتفكير ترامب في استبدال رئيس الفيدرالي الحالي جيروم باول عند انتهاء ولايته في مايو المقبل، يبدو أن البنك المركزي الأمريكي، الذي طالما عُرف باستقلاليته وهدوئه التكنوقراطي، سيظل في قلب عاصفة سياسية واقتصادية تبقي المستثمرين والأسواق على حافة الترقب.